لماذا نحتاج إلى التأمين الصحي؟!

 

 

جمال النوفلي

 

التكلفة الصحية للفرد الواحد في السلطنة تبلغ حوالي 1650 دولارا سنويا، يعني تقريبا 635 ريالا، بينما في أمريكا تبلغ حوالي 11500 دولارا يعني 4428 ريالا، ويبلغ متوسط التكلفة في دول الاتحاد الأوربي 4000 دولار، بما يساوي 1539 ريالا.. بمعنى آخر: التكلفة معنا ليست عالية أبدا، رغم أن وزارة الصحة هي إحدى المؤسسات الحكومية التي تستحوذ على قدر كبير من ميزانية الدولة.

تلك المقارنات التي أشرت إليها أعلاه تعطي انطباعا مريحا عن حالة الانفاق الحكومي في القطاع الصحي، فالعلاج متوفر ومجاني للجميع في أي وقت وأي مكان ولمن يريد ومن لا يريد.. لكن السؤال الذي بتبادر إلى أذهاننا الآن هو إن كان الوضع مريحا إلى تلك الدرجة والعلاج الصحي في أحسن ما يكون، فلماذا تريد وزارة الصحة أن تفرض علينا التأمين الصحي؟ وإذا ما تم فرض التأمين الصحي علينا فماذا سيكون مصير هذه المستشفيات والمراكز الصحية الكثيرة والمنتشرة في البلاد؟

لا شك أن كثيرا من المهتمين بالشأن الاقتصادي في عمان ودول الخليج عامة يدرك أن أغلب قراراتها أخذت تنصب في مصلحة تحسين الوضع الاقتصادي المتردي في السنوات الأخيرة بسبب هبوط أسعار النفط، الذي أدى إلى خلق مشاكل عديدة منها اجتماعية ومنها سياسية ومنها ائتمانية في المرحلة التي كنا نظن فيها أننا بلغنا من التنمية الاقتصادية والاكتفاء والاستقرار المالي أفضله وأقصاه، فإذا بنا نجد أنفسنا نتراجع فجأة ونهبط في سلم التصنيفات الائتمانية الدولية، عندها أدركنا أن علينا وبشكل لا يقبل المساومة والتأجيل أن نصحح من مسارنا ونعدل من سياساتنا الاقتصادية والانفاقية خاصة تلك التي تستنزف ميزانية الدولة.

(الأمن – التعليم – الصحة) هي أكثر القطاعات التي يتم من خلالها استنزاف الميزانية، وهي قطاعات مهمة جدا لا يمكن إهمالها أو تقليل من شأنها فهي ليست كأي قطاع آخر، فلا تنهض أي دولة دون وجود أمن قوي وتعليم جيد وصحة عامة، فإذا ما أصاب أحد هذه القطاعات وهن أو لحقها تقصير لتخلخلت الدولة واختل النظام. إذن إن لم يكن هناك مجال لتخفيض الانفاق على هذه القطاعات الثلاثة فما هي الحلول الممكنة لمعالجة هذا المأزق؟

من خلال الممارسات التي نشاهدها نعتقد أن الحكومة قد اختارت عدة حلول للخروج من هذه المعضلة، أولها: زيادة الانفاق على المشاريع التنموية لخلق مصادر دخل متعددة لتكون رافدا لميزانية الدولة ومقوية للاقتصاد، ولكون هذا الحل بحاجة إلى سنوات عديدة حتى يؤتي ثماره فإن الحكومة اضطرت إلى اتخاذ قرارات عاجلة لا سيما مع وجود ضغوطات دولية فتم مثلا رفع الدعم عن أسعار المحروقات ثم تم وضع بعض الضرائب منها التجارية والاستهلاكية وغيرها إلا أن كل ذلك لم يجد نفعا كبيرا لولا تحسن أسعار النفط الذي لم يعد موردا مطمئنا يمكن الاعتماد عليه، ولهذا تم إعادة النظر إلى تلك القطاعات الثلاثة مرة أخرى لتقيمها ومعرفة مدى جدوى ما يتم صرفه من أموال في هذه القطاعات.

بمعنى آخر آخر: إعادة تقييمها لأجل الإجابة على سؤال واحد محدد وهو هل ما نتحصل عليه من منافع في هذه القطاعات يعادل ما يتم صرفه فيها؟

هل الوضع الأمني في المنطقة وحالة الاستقرار التي تنعم بها عمان تستحق ما يتم صرفه في هذا القطاع؟ هل الخدمات التعليمية والمنتجات التعليمية من مدارس وجامعات وكليات وتعليم ما قبل النظامي وتعليم أصحاب الحالات الخاصة والنظام التعليمي بشكل عام يستحق ما يتم الانفاق عليه؟ هل الخدمات الصحية والمراكز الصحية والمستشفيات والعلاج وجودته وسرعته يستحق ما يتم الانفاق عليه؟

وعند الشروع في النظر وإعادة تقييم هذه القطاعات تم الكشف عن أمور كثيرة أنتم تعلمونها لا سيما في القطاع التعليمي والصحي، فالإنفاق الحكومي مرتفع جدا والمردود متواضع، ولكوننا في دولة ريعية تعنى بإثراء مواطنيها ومشاركتهم الثروة فلا يمكننا إذن أن نستبدل المواطنين العاملين في هذين القطاعين بأجانب أكثر كفاءة وأقل تكلفة، فما من حل إذن إلا التوجه إلى تخصيص هذين القطاعين لتزيح الحكومة عن كاهلها العبء الثقيل الذي يرهق ميزانيتها طيلة السنوات الماضية. إلا أن هذا التحول لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها إذ لا بد أن يتم التدرج فيه شيئا فشيء، فمثلا في القطاع الصحي قد يتم فرض بعض الرسوم ابتداء في المستشفيات، ثم إلزام جميع المقيمين بالتأمين الصحي ثم إلزام شركات القطاع الخاص بتأمين موظفيها، ثم الشركات شبه الحكومية ثم باقي المواطنين وهكذا.

طبعا يجدر بي أن أشير أيضا إلى أن إلزام المواطنين بالتأمين الصحي لا يعني بتاتا أن المواطن هو من سيدفع فاتورة العلاج، لا فالحكومة هي التي ستقوم بسداد كل المصاريف، الفارق هو أن الحكومة بدلا من أن تكون هي المالك للمستشفيات والمُعينة للموظفين والمشترية للأدوية والأجهزة ثم تصرف عليها لتقديم خدمات صحية للمواطن، ستكون الحكومة كافلة للمواطن وفاتورة علاجه في هذه المستشفيات والعيادات التي ستكون مملوكة لشركات ومؤسسات صحية خاصة تتنافس في تقديم أفضل العلاج والخدمات الصحية، كحال الشركات التي تأمن العلاج لموظفيها، وهذا مكسب كبير لنا كمواطنين حيث سيمكننا ذلك من الاستفادة من التأمين والعلاج في شتى المستشفيات داخل وخارج السلطنة.

تعليق عبر الفيس بوك