تحريف التاريخ والمعالم (2-2)

طالب المقبالي

أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أنني استعنت ببعض المؤرخين والرواة المعاصرين لتوثيق ما ورد من معلومات في هذا المقال، إضافة إلى ما حفظته عن الآباء والأجداد، وأذكر منهم الكاتب المؤرخ والمشارك في التاريخ الشفوي للبلاد الأستاذ حمدان بن سيف الضوياني، الذي طالما حدثني عن قصص تسميات بعض الأحياء والمساجد، ويحثني على الكتابة عنها.

فأول المعالم التي حرفت مسمياتها والتي سأتطرّق إليها ويتضح جلياً أنّ التسميات الجديدة جاءت بناءً على عدم فهم المسمى ومضمونه؛ "مسجد الخاطي" بقرية الغشب؛ تم تغيير اسمه إلى "مسجد التوبة" والمؤسف أنّ التسمية الجديدة توحي بأنّ كلمة الخاطي من الخطيئة والذنب ولذلك سمي بمسجد التوبة! والحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع ممن لم يدركوا المعنى الحقيقي للمسمى؛ أنّ المسجد يقع على ضفة الوادي، حيث هناك منطقتان سكنيتان ومزارع يفصل بينهما الوادي، ولكي يصل أصحاب الضفة الأخرى إلى المسجد يجب أن يتخطوا الوادي، أي يتجاوزونه كي يصلوا إلى المسجد، والمقصود هنا من الخاطي الخطوات والسير بالأقدام، ولذلك سُمي بمسجد الخاطي، أي من التخطّي والتجاوز وليس من الخطيئة.

وتوجد لهذا المسجد مواقيف سجلت باسم مسجد الخاطي، ولا أدري كيف تم التعامل معها في ظل تغيير المسمى.

"منطقة الحاجر" وهي حاجر تقع بجوار الجبل، وقد سميت (المسيمدة) نسبة إلى زرائب لتجميع روث الأغنام في أماكن مخصصة لتلك المحلة التي تشتهر بتربية الأغنام، وشملت التسمية تلك الأحياء الشرقية التي كانت تعرف بمسمّيات أخرى كالغبابة والمصلب، وهي عبارة عن أراضٍ زراعية تلتقي فيها عدة أفلاج.

فمزروعات الحاجر تسقى بفلج الحمَّام، وأراضي الغبابة تسقى بفلج الميسَّر، وما يعرف بغيز الفوق.

"مسجد طوي ثاني" غُيِّر مسماه إلى "مسجد أو جامع السليمية"، فطوي ثاني سميت نسبة إلى ثاني بن جحدر، وهو من أشهر عاملي البناء الذين بنوا قلعة الرستاق وكان فقيها عالماً بعلوم الدين والفقه.

وكانت هناك مدرسة للقرآن الكريم وقد درَّس فيها يعقوب بن سليمان العثماني، وآخرهم كان حمدان المياحي، وللمسجد والمدرسة مواقيف بالمسمى السابق.

"مركاض الخيل" هي المرباء الغربية حالياً، فقد كانت قديماً تقام بها مسابقات لركضة الخيل، ولذلك سُميت بهذا المسمى، وتمتد إلى منطقة الزنفي.

"سيح قرن الأحمر" ما أجمل هذا المسمى، فلا أدري من صاحب هذا الفكر بتحويله إلى "حي الأمجاد"! هذه التسميات تمحي تاريخ ولاياتنا وتحولها إلى مسميات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان.

"المخسوفة" لها قصة تاريخية تروى، وحُولت إلى "حي الشرف" ربما لمحوا الجنية التي قامت بها المخسوفة التي سُميت عليها كما فُهِمَت من المسمى، ولا أريد الخوض كثيراً في مضامين القصة وفصولها، ويمكن للباحثين عنها أن يجدوا كامل الرواية بكل تفاصيلها.

مسمى "الحصاة الطايحة" انتهت وكانت معلما متعارفا عليه قديماً لالتقاء قوافل التجارة، والتجمعات.

"منطقة المزرع"، عُرفت بهذا الاسم لكثرة مزروعاتها التي تروى بفلج الصايغي، فأصبحت تسمى "المرباء الشرقية" فالمرباء الغربية والمرباء الشرقية لا أساس لهما، وإنما توجد قرية أو محلة المرباء وهي قديمة قدم الزمان، وأحمد الله أنّه لم يغير مسماها وتنسب إلى الرباء، والمرباء من الربوة وهي الأرض المرتفعة.

"وادي بن سوق" حي يقع على ضفاف وادي بن سوق، لم يُعجَب أحدهم بهذا المسمى فاقترح تحويله إلى "حي النهضة" وذهب تاريخ الوادي بفعل فاعل بلا رجعة.

"ظهرة العور" بقرية جماء، لها قصة ظريفة، حيت تخاصم فيها شخصان كفيفا البصر وسميت بهذا الاسم، ثم حُوِّل مسماها إلى "حي السعادة".

خلاصة الحديث أنّ هناك تسميات سميت قديماً نسبة إلى أحداث معينة ويتوجب تغييرها لأنّها أصبحت غير مناسبة، وأتفق أنّه من الضروري تغييرها، وهذا التوجه لمسناه من التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- الذي قام بتغيير العديد من مسميات المناطق في مختلف أنحاء السلطنة إلى مسميات تناقض أحياناً تلك المسميات، ولكن إلى الأفضل، ولدرس تلك القصص التي انتهت مع انتهاء تلك الحوادث؛ فمسمى "المخسوفة" و"ظهرة العور" من الحُسن أنّه قد تم تغيير مسمّاهما.