جوائز عُمان للسياحة

حاتم الطائي

 

الجوائز تجسد الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص وتؤكد على دور الإعلام في التنمية

 

نجاح النُزل التراثية دليل على التفرد الذي تقدمه الضيافة العمانية للسائح

 

أكاد أُجزِم بأنَّ القطاعَ السياحيَّ في السلطنة هو الأكثر تنوُّعا والأعلى قدرة على المنافسة في مُحيطنا الإقليمي، ليس مُبالغة، وإنَّما بقراءة عميقَة في واقع سياحتنا العُمانية، التي تزخَر بالعديدِ من المُقومات؛ فلا تجد مقالًا أو خبرًا عن السياحة إلا وقد ذُكرت هذه المقومات بالتفصيل؛ فالشواطئ خلابة بطول البلاد من شمالها إلى جنوبها، والطبيعة البِكر توفر أعلى درجات الاستجمام والهدوء، إضافة للجوانب الترفيهية.. والأهم من ذلك كله: مهرجانان سياحيَّان؛ الأول في مسقط خلال موسم الشتاء، والثاني في صلالة خلال موسم الخريف الساحر.

والسياحة هي مصدرٌ رئيسيٌّ للدخل في العديد من دول العالم، ونحنُ في عُمان تسعى حكومتنا الرشيدة إلى الاستفادة من القطاع السياحي؛ باعتباره قطاعًا واعدًا قادرًا على الإسهام في الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات كبيرة لا تُقارن بما كانتْ عليه قبل سنوات. ولقد طَرَح البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ" جُملةً من المبادرات والمشاريع السياحية التي تصبُّ في صالح نمو القطاع السياحي، والمميز في هذه المبادرات أنها تستهدفُ إسهامَ القطاع الخاص بنحو 80 في المئة من هذه المشاريع، بينما لن تتحمَّل الحكومة سوى تنفيذ 20 في المئة منها، وهنا مربطُ الفرس؛ حيث إنَّ إتاحة المجال أمام القطاع الخاص لكي يقوم بدوره ويسهم في تعزيز نمو القطاعات الاقتصادية -وعلى رأسها القطاع السياحي- إنما يترجم الخطط والتوجهات الحكومية نحو تمكين القطاع الخاص، وأنْ يعمل على إيجاد الوظائف للمواطنين، ويحقق النمو المأمول.

لذا؛ فإننا عندما أعلنَّا قبل شهور عن تدشين "جوائز عُمان للسياحة"، وضعنا نُصب أعيننا هدفيْن رئيسييْن لم نَحِد عنهما؛ الأول: تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، من خلال الشراكة الإستراتيجية بين جريدة "الرؤية" -المنظِّمة للجائزة- ووزارة السياحة -الجهة الأولى المعنية بالقطاع. في حين تمثَّل الهدف الثاني في: تسليط الضوء على المشاريع السياحية الرائدة وأصحاب البصمات المضيئة في القطاع؛ سواء كانوا عاملين (والتي خصَّصنا لها جائزة "أقدم شخصية عاملة في القطاع السياحي") أو مُستثمرين أو مسؤولين، وسيتمُّ الكشف عن تكريم خاص لأفضل مستثمر محلي وأفضل مستثمر أجنبي، علاوة على تكريم خاص لأفضل شخصية داعمة للنمو السياحي.

و"جوائز عُمان للسياحة" -والتي سنحتفلُ غدًا الإثنين بتتويج الفائزين بالنسخة الأولى منها- هي أحدثُ ما أطلقناه وفق نهج "إعلام المبادرات"، إيمانًا منَّا بالمسؤولية الاجتماعية لجريدة "الرؤية"، ودورها التنموي في المجتمع الذي يتخطَّى الجوانب الإخبارية والإعلامية والإعلانية أو حتى الترفيهية؛ لتنطلق نحو آفاق أرحب من العمل الوطني التنموي، وتسهم في بناء توجه جديد يقوم على علاقة الشراكة مع مختلف المؤسسات. ولقد حقق "إعلام المبادرات" الكثير من المنجزات، فقد خرجت المنتديات والمؤتمرات التي تنظمها جريدة "الرؤية" بالعديد من الأفكار الطموحة التي طرحها المختصون والخبراء، ممن أسهموا برؤى نيرة ووجهات نظر عميقة في العديد من قضاينا المجتمعية، التي يُمكن من خلالها دفع مسيرة النهضة المباركة نحو مزيد من التقدم والرخاء. كما كانت للجوائز التي تُنظِّمها جريدة "الرؤية" الدور الأكبر في الاحتفاء بأصحاب الإنجازات في العديد من مجالات العمل والإنتاج؛ فكانت "جائزة الرؤية لمبادرات الشباب" الداعم الأكبر للمبتكرين والمبدعين من الطلاب والشباب، وهما الفئة التي ينبغي أن نستهدفها في جميع خطط وبرامج التنمية، وأيضا "جائزة الرؤية الاقتصادية" والتي تسهم في منح التكريم المستحق للاقتصاديين ومؤسسات القطاع الخاص الناجحة.

ومع بدء العدِّ التنازلي للاحتفال بتكريم الفائزين بـ"جوائز عُمان للسياحة" في نسختها الأولى؛ نودُّ التأكيد على جملة من النقاط؛ منها أنَّ نموذج الشراكة بين جريدة "الرؤية" ووزارة السياحة جديرٌ بالتطبيق في مختلف المجالات؛ فالشراكة التي نؤكد عليها مرارًا وتكرارًا ليست مُجرَّد فِكرة نحلُم بتطبيقها، بل هي نموذج قائم نسعى للارتقاء به وتعزيز الإيجابيات المرتبطة به. وفي النسخة الأولى من هذه الجائزة، فوجِئنا بالعدد الكبير من الاستمارات وطلبات الترشح من الراغبين في التنافس ونيل الجائزة؛ الأمر الذي يعكس تعدد النماذج الناجحة؛ وبالتالي علينا أنْ نبحث عن كيفية الاستفادة منها في تطوير العمل وتجويد الأداء، وأن نعلم جيدا أن المؤسسات العاملة في القطاع تتحلى بالتميز في العمل بأعلى مستوى ووفق أفضل المعايير الدولية؛ فالعدد الكبير من الفنادق أو المؤسسات السياحية أو المرشدين السياحيين أو النزل التراثية التي تقدمت للمنافسة على "جوائز عُمان للسياحة"، كُلها تحلت بالتميز والنجاح؛ لذا كان الأمر صعبًا على لجنة التحكيم في أن تختار الأفضل من بينهم؛ لكننا على يقين تام بأنَّ من لم يتمكن من الفوز في هذه النسخة سيعاود المنافسة في النسخ المقبلة، في ظل ما يتمُّ اتخاذه من إجراءات لتحسين الأداء وتطوير العمل.

نقول ذلك والمجتمع يترقَّب من القطاع السياحي أن يعمل نحو الأفضل.. الأفضل الذي يوفر لأبنائناَ فرص عمل وتشغيل لائقة توفر الحياة الكريمة والمُنتجة للمواطنين العاملين في القطاع السياحي، لكن في المقابل على شبابنا أن يتخلَّى عن النظرة السلبية للعمل في السياحة، ويُدرك يقينا أنَّها باتت قطاعا واعدا يمكن من خلاله أن يكتسب المهارات، وأن يعزز من سماته الشخصية؛ بما يُؤهله للعمل في أي قطاع آخر؛ إذ إنَّ فلسفة العمل والنجاح واحدة في أي قطاع، أينما طبَّقتها حققت ذاتك. ولقد تغيَّرت بالفعل النظرة المجتمعية لدى فئات مختلفة في المجتمع، لكن لا يزال هناك مجهودٌ ينبغي أن يُبذل لتغيير النظرة المجتمعية نحو السياحة؛ فالحكومة الرشيدة تسعى جاهدة لتوظيف الشباب في مختلف القطاعات، والقطاع السياحي بمقدمتها، فمن سيحصل على هذه الوظائف التي يوفرها القطاع؟ في وقت تسعَى فيه أيضا المؤسسات السياحية والفندقية إلى توظيف العُمانيين، وتستهدف توفير التأهيل والتدريب واللازمين لهم؛ لذلك لا ينبغي لشبابنا أن يفوتوا الفرصة بل عليهم أن يقتنصوها ويسعوا من أجل تحقيق النجاح والتميز والإسهام الفاعل في بناء وطنهم ودعم مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة.

ونجاح مشاريع النزل التراثية في العديد من المواقع دليل ساطع وبرهان قوي على ما تقدمه الضيافة العُمانية من تفرد يجذب السياح ويوفر فرص العمل للشباب، فتحولت مشاريع النزل التراثية إلى أيقونات سياحية عُمانية يشار إليها بالبنان وتحقق النجاح مهما كانت التحديات.

وأخيرا.. فإننا نأمل أن تكون "جوائز عُمان للسياحة" في نسختها الأولى حافزًا وداعمًا لنمو القطاع، وأن تحدِث الفارق الذي خططنا من أجله، وأن تُمثل احتفالا سنويا بالسياحة العُمانية الواعدة، ومنصة لتكريم المؤسسات الرائدة في القطاع وأصحاب الأعمال الذين اجتهدوا كي ينمو القطاع السياحي، وكذلك المستثمرين الذين أخذوا على عاتقهم قرار الاستثمار في هذا القطاع، إيمانا بما تملكه السلطنة من فرص نمو ونجاح.