مصباح عُمان النسائي

 

مدرين المكتومية

madreen@alroya.info

حينما تفخر المرأة العمانية ببنات جنسها، فإنّها بذلك تدون شهادة اعتزاز وفخر على ما حققته من إنجازات لم تكن لتتحقق لولا الرعاية السامية من الأب الحنون حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه-. ولقد كانت لهذه الرعاية النتائج المتحققة على أرض الواقع، فتبوأت نساء عمان أرفع المناصب واحتلت صدارة المشهد في الكثير من القطاعات، فكانت خير ممثل لعمان بأكملها وليس فقط لقريناتها من العمانيات.

الإعلامية القديرة منى بنت محفوظ المنذرية، واحدة من نساء عمان الفضليات اللائي سطّرن تاريخا مضيئا من التميز والتفاني في خدمة الوطن عبر مختلف المناصب التي تبوأتها، سواء خلف الميكروفون الإذاعي حيث تردد صوتها في أنحاء عمان لسنوات طويلة، عبر "هنا مسقط" في عام 1971 وغيرها من البرامج التي ترسخت في الوجدان والذاكرة العمانية، فمنى محفوظ ليست مجرد إعلامية مخضرمة عاشرت مسيرة النهضة المُباركة منذ بزوغ فجرها الأول، بل هي واحدة من القلائل الذين أسهموا في رفد مسيرة العمل الوطني بما يدعم تقدم عمان في العديد من المجالات. ورغم البدايات الصعبة والتحديات التي واجهتها إعلاميّتنا القديرة، إلا أنّها نجحت في تجاوزها، وحققت ما كانت تصبو إليه من تطلعات، وكانت خير ممثل لبنات جيلها ممن حملن على عاتقهن لواء العمل الوطني في شتى الميادين، حتى تكون عمان اليوم لما صارت عليه من نهضة وتقدم واستقرار ورخاء، بفضل السياسات الحكيمة لجلالة السلطان المعظم- أبقاه الله-.

قد تكون شهادتي المتواضعة في هذه القامة الإعلامية السامقة مجروحة، فقد اقتربت منها أستاذةً ومعلمةً وصديقة أحببتها بكل صدق وإخلاص، لكني لا أملك سوى أن أقول إنّها نموذج عماني رائع، للمرأة المتواضعة والطموحة التي لا تتوقف عن العمل في سباق مع الزمن، بكل ما أوتيت من قوة.. إنّها امرأة من الزمن الجميل حين تسرد تلك الحياة التي عاصرتها في بدايات النهضة المباركة تتكشف الكثير من المعاني الكامنة بين السطور، ويمكن للقارئ أن يجد ذلك الوصف في كتابها الذي صدر حديثا بعنوان "المرأة العمانية.. مصباح لا ينطفئ"؛ فكل كلمة كتبتها لم تكن مجرد حروف لاستكمال سطور، وإنّما وصف يروي المخاض الصعب والرحلة الطويلة المليئة بالمنعطفات والمحطات التي تخلت فيها مرة "عن شيء" أو "عن أحدهم" وفي مرات كثيرة منها "كسبت شيئا آخر" صنع لها "أملا جديدا" نحو الحياة وصناعة الذات وتكوين الشخصية وفرض الوجود.

وفي إصدارها "المرأة العمانية.. مصباح لا ينطفئ" وثّقت الإعلامية القديرة منى المنذرية رحلتها ومشوارها في مسيرة الإعلام العماني، علاوة على تجليات أخرى عكست الخصوصيّة التي تتميز بها المرأة العمانية، وما حظيت به من اهتمام ورعاية في خطابات صاحب الجلالة المعظم - حفظه الله ورعاه- وهو ما تجسّد في حضورها المتألق في كافة مجالات التنمية.

الكتاب يتضمّن 6 فصول، ولم يكن عنوان أي منها بعيدًا عن شخصيتها، بل كل ما هي عليه وتحبه، صاغته بصورة تتناسب مع توجهاتها بعناوين رائعة، أذكر منها: المرأة الإعلامية.. الوجه والقناع، فنون الأظافر الطويلة، هي في عيون الكاميرا. غير أنني من خلال هذه الأبواب أجد الإبداع متحققا والتفرد قائمًا، والأهم من ذلك أنّي أجد ذاتي كفتاة عمانية في هذا الإصدار المميز.. أجدني في أفكار امرأة تكتب عنّي بين سطورها وتسرد بعض خطواتي الأولى التي مشيتها وأنا أتحسس عثراتي الأولى، ليزداد إيماني بأنّ التحديات لن تدوم واحتمالات الإخفاق لن تنال من عزيمتي في النجاح. أراني بين ثنايا هذا النص الذاتي؛ امرأة تحب التجربة وتعشق المغامرة، تملك شيئا لا يملكه غيرها، وإن كانت هناك نقاط التقى فيها مع أخريات اجتهدن لصناعة الذات في ظل ظروف صعبة لا يمكن تخيّلها، وفي ظل مجتمع لا يزال في ذلك الزمن متمسكًا بالعادات والتقاليد، حتى وإن كانت مُجحفة في حق امرأة طموحة مؤمنة بما تمتلكه من قدرات.

إنني أتفق تمامًا مع الإعلامية القديرة في أنّها تمرّدت على الحياة وصعوباتها وخلعت رداء الخوف ومزّقت بقايا الظلام بأفكارها، وأنّها في خطواتها الأولى ذهبت نحو الخطوة الصعبة لتحقيق ذاتها، المجال الذي لم يكن سهلا أبدًا، فكانت تقف في نقطة مرتفعة بقلب العاصمة مسقط وتحديدا في مدينة الإعلام، شامخة بكل كبرياء وثقة، لكن ليس بقدميها وإنّما بصوتها الذي ملأ الحياة جمالا، لتكون بذلك شريكة لأخيها الرجل في ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، متخذة ثقة القائد ورعايته السامية دافعا ومحفزا نحو التقدم، مستعينة بآمال النساء فيها، لتكون هي وبنات جيلها الفضليات أنموذجا يحتذى به في وقتنا هذا.. تحية إجلال وتقدير لمن تَربَّينا على صوتها الرقيق المميز، وكلماتها التي كانت تختارها بعناية، فترسم لعشاق الأثير صورة بصوتها وتنقل لهم عبر حنجرتها الذهبية ما لم يكن يراه الناس.