عُمان السلطان قابوس

سيف بن سالم المعمري

أنجزت الباحثة التركية خديجة جنكيز أطروحتها المعنونة بـ "مثال للتعايش بين المذاهب بسلطنة عُمان في عهد السلطان قابوس" في عام 2017م، من قسم علم تاريخ المذاهب من جامعة صباح الدين زعيم بمدينة إسطنبول، وتركز الباحثة في دراستها على دول الخليج بشكل عام والسلطنة بشكل خاص، ولطبيعة مجال الدراسة في علوم الإسلام الأساسية فقد عكفت الكاتبة خديجة جنكيز للبحث عن أسباب تفاقم الصراعات المذهبية والدينية والقبلية والعرقية - في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- ولا تزال في المنطقة العربية تكتوي بنيرانها نتيجة غياب البصيرة القيادية والرؤية السديدة من جميع المكونات المُجتمعية في البلاد العربية.

واستلهمت الكاتبة خديجة جنكيز عناصر التعايش السلمي والانسجام المجتمعي الذي تعيشه السلطنة في عهد مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- موضوعاً لدراستها، وأبحرت بالبحث العلمي في معرفة العوامل التي أبعدت السلطنة عن كل الصراعات الطائفية والقبلية والمذهبية وكذلك الدينية والعرقية خلال عهد جلالته الميمون.

وأصبحت دراسة الكاتبة التركية محل اهتمام من قبل عدد من المفكرين من داخل السلطنة وخارجها مما دفع بالكاتبة خديجة جنكيز إلى نشر دراستها في كتابها الذي يحمل عنوان هذا المقال، وتكفلت مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر والتوزيع بالتسويق الحصري للكتاب داخل السلطنة، بجناحها في معرض مسقط الدولي للكتاب 2019م.

واقتنيت نسختي من الكتاب منذ الوهلة الأولى لدخولي المعرض، ووفقت في قراءته مرتين -حتى الآن- ووجدته إضافة نوعية للدراسات العلمية النوعية التي تتحدث عن السلطنة وللنموذج الحضاري الذي تحقق لنا في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- بل إنَّ الكتاب الذي عنونته الكاتبة بـ" عُمان السلطان قابوس مثالاً للتعايش بين المذاهب الإسلامية والعالم" يعد موسوعة تاريخية وفكرية في غاية الأهمية للباحثين في العلوم الإسلامية والتاريخية والعلوم السياسية من داخل وخارج السلطنة.

واستطاعت الكاتبة بمهاراتها البحثية وشغفها بالنموذج الحضاري العُماني أن تعايش تلك التجربة بعد مكوثها في السلطنة لمدة ستة أشهر، ومن خلالها أطلعت عن كثب على كل التفاصيل التي برهنت فيها لاحقاً نجاح النموذج القابوسي في تفرد السلطنة بالتعايش التوافقي والسلمي بين المذاهب، خلافًا لما تُعاني منه المنطقة العربية.

وكقارئ أجد هذا الكتاب المنهج الأمثل لتدريسه في مؤسسات التعليم العالي في جميع البلاد الإسلامية، فهو يُقدم مادة علمية دسمة، تدرجت فيه الكاتبة بتسلسل منطقي في طرح الأفكار وبتدفق معلوماتي ذي دلالة قيمة للباحث في تاريخ المذاهب الإسلامية، كما وفقت الكاتبة في تحليل الخطابات السامية لجلالته -حفظه الله ورعاه- وتجسيده للمعاني النبيلة في فكر المسلم المؤمن برسالته الوطنية، وأبحرت في البحث والتقصي عن كل المصادر والمراجع العُمانية وغير العُمانية التي كتبت عن السلطنة وتاريخها وفي مجال السياسة الخارجية والكتب المتعلقة بفلسفة السياسيين، كما أجرت مُقابلات مع عدد من الأكاديميين وعلماء الدين من جميع المذاهب الإسلامية في السلطنة، وكذلك بعض رجالات الدولة الذين عاصروا المراحل الأولى لميلاد النهضة العمانية في عام 1970م.

ولكون الكتاب والدراسة تركز على التعايش في السلطنة في عهد جلالته -حفظه الله ورعاه- فقد خصصت الباحثة التركية فصلين -من أصل خمسة فصول يحويها الكتاب بين دفتيه- عن السلطان قابوس وشخصيته القيادية المُتفردة وبناء الدولة الحديثة ودور جلالته في تجسيد معاني الوحدة الوطنية ونشر ثقافة التسامح والمحبة والتعايش الداخلي والخارجي، وبناء منهجية واقعية في السياسة الخارجية تستحق أن تدرس في المؤسسات الأكاديمية الدولية. ومن يقرأ الكتاب يجده كتاباً غنيًا بالمعلومات القيمة والدقيقة جدًا، وسيعيد قراءته مرات عدة؛ لأن  لكل سطر ولكل كلمة معنى ومغزى، فقد وفقت الكاتبة في أن تجذب إلى دراستها وكتابها عموم القراء والباحثين خاصة، فشكرًا للكاتبة التركية خديجة جنكيز على هذا الإثراء العلمي، ونحن كما قال لك معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية في معرض إجابته عن سؤالك الخامس عشر لمعاليه :"نحن نحب تاريخنا، ونحب السلطان، والسلطان بالنسبة لنا نعمة أرسلها الله لنا.." والناس كما قال معاليه يبحثون عن:".. مثال أصيل يحتذونه، والسلطان قابوس يمثل الكرم والاستقامة والبساطة؛ فلا يفرط ولا يعيش في الأوهام".