"من سلك طريقا..." (1-2)

عائشة بنت أحمد البلوشية

قبل أن تُصبح روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية، أرادتْ أن تبني دولة ذات مكانة ونفوذ وقوة وتترأس زعامتها؛ فقامت بفتح البلاد المجاورة لها، لكنها واجهت صعوبة في المواصلات، بسبب وعورة الطريق، فما كان منها إلا ربط كل مدينة تفتحها بطريق مرصوف يصل في نهايته إلى روما، وذلك حتى تبقي جميع المدن المفتوحة تحت سيطرتها؛ فأصبح عدد الطرق تسعة عشر طريقا، وكل طريق يصل في نهايته إلى روما، فجاءت المقولة الشهيرة: "كل الطرق تؤدي إلى روما". وكانت جدتي الغالية -أطال الله في عمرها- تقول عندما تهم بانتقاد المط والتسويف الذي قد نتخذه أسلوبا أنا وشقيقتي كي نتخلص من موقف ما في طفولتنا: "درب الخبز عوجاء"، وبالطبع المقصود هنا هو ذلك الخبز العُماني الهش الرقيق المرشوش بقطرات بسيطة من السمن العماني؛ فعند خبزه على الطوبج (الصاج)، لا بد للخبازة أن تسلك بالعجين طريقا دائرية حتى يكتمل شكل الخبزة الدائري، وهي بذلك تقصد أننا في النهاية سنصل إلى نفس الخاتمة، بغض النظر عن الأسلوب المتبع في الرواية. وأصناف البشر على هذه البسيطة كُثر، وكلُّ له أسلوبه وطبيعته التي جاءت نتيجة تربية أسرية نشأ عليها، فمن سلك أي درب سيصل إلى النهاية التي يعرفها أو ربما يخمنها، مهما تصنع الغباء بأنه لن تكون نهايته تلك.

من سلك طريقا يلتمس فيه مكارم الأخلاق؛ فقد سهل الله له به معراجا إلى شخص حبيب قلوبنا نبينا الكريم، الذي قال صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، لم يذكر الصلاة والصيام وغيرها من أركان الإسلام؛ لأنها فرائض مُسلَّم بها، لكنه ذكر مكارم الأخلاق التي كانت العرب تصر عليها وتتفاخر لتتحلي بها، وتربي أبناءها عليها رغم جاهليتهم المعروفة عنهم، ولم ينسب رسولنا الكريم -صلى الله عليه وآله وسلم- لنفسه أنه هو أول من أقامها، بل قال بكل تواضع وشيم العظماء أنه جاء مُتمِّما لها، فما أروعه من معلم، وما أروع أن نتأسى به علنا نكتسب شيئا من خلق أو مكرمة من صفات، ألم يعرف بالأمين قبل بعثته؟ وكان من وضع الحجر الأسود في ركنه بالكعبة المشرفة نتيجة هذا الخلق الكريم، وهذا قبل البعثة وقبل الوحي وقبل وقبل، وألم ترد ابنة نبي الله شعيب على أبيها في قوله تعالى: "قَالَت إِحۡدَاهُمَا یَـٰۤأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُ إِنَّ خَیرَ مَنِ ٱسۡتَـۡجَرتَ القَوِیُّ الأَمِینُ" (القصص:26)، عندما رأى نبي الله موسى ضعفهما هي وأختها ولواذهما فسقى لهما، فأبت عليه أخلاقه أن يتركهما ويذهب في حال سبيله، هذا يفضي لنا بأن الأخلاق مهمة جدا في التربية، وأن مكارم الأخلاق تبقى الأرقى والأثبت.

من سلك طريقا يلتمس فيه الانبعاث الكاذب للاوعي، والتيه في غياهب الضياع، سهل الشيطان له به طريقا إلى حبة مُخدِّرة أو حشيشة أو مسحوق أبيض، يأخذه لوهلة غبيَّة إلى حيث لا يعلم من الهلاوس، وكم كانت تلك الوهلة وبالا على أهله بموته بجرعة زائدة أو بزجه وراء القضبان، فيغدو مأسوفا على شبابه الذي احتاجه وطنه وذويه، مقابل ماذا؟ عدة ريالات ينفحها له المشتري إن كان مروجا؟ أم لحظات تيه لا يفصله عن آخرته المخزية سوى زيادة نفحات السم، ويأتيك المتفلسف بهرطقة لا أعلم من أين استنبطها ليقول: ربي جعل لي هكذا حياة! ليصرخ المنطق في وجهه محاولا استدراك ما بقي له من عقل: أنت هنا مخيرا ولست مسيرا، فأنت من يختار الضياع والضلال، أو الاستقامة والعيش بكرامة.

-----------------------

توقيع:

"حياتي روح قلبي أنا

أنا شوقي ليك شوق البلابل للغنا

وفرحي بيك فرح اللي نال كل المنى

وحبي ليك

أكتر كمان من حبي أنا لروحي أنا

ولولاك ما كان عمري اغتنى

أنس وهنا

ولا دندنة

ولا كنت حسيت بالربيع

في كل أيام السنة

وروح روح عد أوراق الشجر

روح روح عد حبات المطر

عد النجوم عد البشر روح وتعال

عد النجوم عد البشر بس تعال

وتعال هنا تلاقيني تلاقيني أنا

قد حبي ما فيش وبعده ما فيش"

(دندنة - وردة الجزائرية)