أغنيات للوطن والثورة


شاذلي جعفر شقَّاق | السودان

مَلاحن النُّقَّارة والبشارة والجَسارة!
     من نافلةِ القولِ إنَّ الشاعرَ أو المبدعَ عُموماً إنْ لم يتحسّسْ أوجاعَ أمَّتِهِ ،ويتلمّسْ سُبَلَ خلاصِها من براثن القهْرِ والفقرِ،ويشدو بأشواقِها نحو لُقمةِ العيشِ الشريفةِ غير المَمْنونةِ ،وثوب السِّتْرِ والكرامةِ -فضلاً عن النهوض والتقدُّمِ والرِيادة- ويحدو مواكبَ توْقِها إلى فجرِ الحريّةِ الطليق،إنْ لم يتجشَّمْ متاعبَ ومصاعبَ دروبِ النِّضال..إن لم يكتُبْ بعَرَقِ الصدقِ ودموعِ الأسى ودماءِ التضحية ..إنْ لم يكُن المُبدعُ كلّ ذلك وأكثر ؛فهو ليس من أُمَّتِهِ في شئ!
   الشاعر والقاص والروائي والمُربِّي الأستاذ عادل سعد يوسف صاحبُ صولاتٍ وجولاتٍ أدبيَّةٍ أبيّةٍ ..يمتشقُ الأصالة ويجترح دروبَ الشعر والسَّرد ليرفدَ مكتبتنا الأدبيةَ بقشيبِ المُنجزات الرصينة.ولكني أقف – مشدوهاً – هنا أمام حزمة هذه الأغنيات (أغنيات للوطن والثورة).
   هي حزمة أغنيات غَرَفَتْها قواديسُ قريحة الشاعر الأديب من عُباب الشوارع وأمواج المَدِّ الثوري ..من حناجر الهُتاف ومن شِفاه الزغاريد منذ الصرخة الأولى لثورة 19 ديسمبر  2018م وحتى هذه اللحظة تُكاتف مواكبها وتُخاصر خُطاها..أغنيات مثل أبكار الجروف الصوادح  وغِلالات الآصال الشفيفة  وشُفوف الليالي الحَبالى بارتعاشات الفجرِ الوشيك!أغنيات تنبع من عمق الثورة ،تدلقُ إحساسها وتترجم أشواقها وتبشِّرُ بدُنُوِّ فجرَ خلاصها.
   أمّا لُغتها فقد جاءت بلسانِ سودانيّتنا السمحاء أو لغة الخطاب اليومي،مفردات مُنتقاة بعنايةٍ فائقةٍ من قاموس السّهلِ المُمتنعِ الحميمِ إلى النَّفس بلسانٍ بسيطٍ لا يُمعن في توظيفِ المفردات الضاربة في عمق محليِّتنا والجانحة إلى نبش الغائرِ منها! تحمل أجلَّ معاني الثورة والانعتاق من براثن الاستكانة والخنوع..تتنكّب الشوارع على صهوات الهُتاف نهاراً جهاراً ، وهناك في سوحِ النزال المنطقي تُمسكُ بتلابيب  المُخاطَبِ (الطاغية)بعينين حمراوين بفعلِ الغضبِ والوِتْرِ وآثار الغاز المُسيّل للدموع، بفعل أمرٍ حاسمٍ وفكرةٍ واضحةٍ تتبنَّاها القصائد المتفجِّرة من حنجرة الثورة القاضية بإماطة القُبحِ والعسْفِ عن طريق الشعبِ ونهضة الوطن ومَسارِ إعماره :
عِدَّ الْجَسَارَاتْ
والنِهَارَاتْ  الْبِتَهْتِفْ
بِانْقِشَاعَكْ
عِدَّهَا
وشُوفَها كَم!
بِالْحِسَابَاتْ  البَسِيطَهْ
كَمْ ح تَأخُدْ تَارَا
مِنَّكْ؟
وأنْتَ عَارِفْ
الْشُّعُوبْ الْقَاعْدَهْ فِي سُورَ الْكَفَافْ
مَابْتَخَافْ
ومَا بِتَرْهَبْ تَرَسَانَةَ الأمْنَ الْكَثِيفَهْ
ولا
الْمَلِيشْيَاتْ
الْبِتَقْنُصْ طِفْلْ أعْزَلْ
مَا بْتَخَافَكْ
.
.
يَاخِ
أعْرِفْ
أنُو هَذَا الشَّعْبْ
عَافَكْ.
  تزينُ هذه الفكرة الجليَّة المشتركة بين كلِّ النصوص ،تزينها صورٌ فنيّةٌ فارهةٌ ولوحاتٌ شعريةٌ صادقةٌ تترى كأسراب الصبايا وأفواج الحبيبات الجميلات اللائي يشكلن حضوراً باذخاً منذ انطلاقة الثورة ..يطرزِّن الشوارع بالثبات ،ويُشعلن الفضاء بالهُتاف والزغاريد المحرِّضة على الثبات وشدِّ المآزر  في مواجهة الصَّلَف السُّلطويِّ والبطش الشديد..يُطعمن الثوَّار ويضمِّدن الجراح ويفتحن قلوبَ البيوت التي تُجير الشباب من فتك العسس:
 كُلَّ الْحَبِيبَاتْ
الْبِنَيَّاتْ
الْجَمِيلاتْ
الْبِصُبَّنْ فِي الْفَوَانِيسْ زِيتْ شَقَاهِنْ
ودَمَّهِنْ
والْبِكُبَّنْ
فِي الشَّرَايِينْ
حُبَّهِنْ
مَارْقَاتْ سَنَابِلْ
يَدَّنْ
الْجَوْعَى اللِّقِمَاتْ
مِنْ عِيٌونِنْ
ودَمْعَهَا
.
.
كُلَّ الْبُيُوتْ الْوَاقْفَهْ
فِي
رَأسْ الْمَضِيقْ
تَسْقِي الصَّدِيقْ
جُرْعَة يَقِينْ
تَسْمَعْ غُنَا النُّقَارهْ
مِنْ
آخَرَ الْفَرِيقْ
تَمْرُقْ
كَارَبة بِي تُوبَ الْخَلاصْ
وَجْعَة حَشَاهَا
وُنُصَّهَا
.
.
طَالْبَاكَ كَمْ؟
ومن رحيق الوعي والبصيرة ترتشف أغنيات عادل سعد يوسف ،ومن عبق البشارات تشيدُ (جرتق) الفرح والصمود وحُلم الغد الواعد عندما تؤتي الثورةُ أُكُلَها – غداً - لا محالة :
  والْحَدِيقهْ الأثْمَرَتْ
فِي سَاحَةَ الْحُوشْ الصَّغِيرَةْ
ألْف نَخْلَةْ
وُحُبْ بِغَنِّي
فِي الْحَقَائبَ الْمَدْرَسِيَّةْ
صُوتْ وَصَفْقَةْ
أنْفَاسْ وُشَهْقَةْ
إنْسَانْ
بِتَارِيخْ احْتِمَالَكْ
.
.
مَا الفَجْرِ أنْصَعْ مِنْ مِلاَيَهْ
غَرْقَانَه فِي الأبْيَضْ تَمَامًا
وُصَافْيَهْ
زَيْ نِيَّة وِلادَكْ.
 وهكذا تنثال هذه الأغنيات كم الضوءِ من خَصاصِ الخصاصة، ومن أغْوار ِالعتْمة، وأزِقَّةِ الغبينة ،ينسجُ مِغزالُها مَعاطفَ الشمس  ومَفارش الفجر الوليد :
ضَوْ
بِيَطْلَعْ مِنْ زُقَاقَاتْ الْمَدِيَنَةْ
ضَوْ
بِيَفَتَحْ فِي النُّفُوسُ الشَّايْلَةْ
تَارِيخَكْ غَبِينَةْ
ألفْ طَاقَةْ
لِلنِّهَارَاتْ الْوَلِيدَةْ
ضَوْ
زَي مَتَارِيرَ الْحَقِيقَةْ
كُلُّ فَتْلَةْ
عُمقْ بِذْرَةْ مِنَ الْجَسَارَةْ
ضَوْ مَنَارَةْ
وَاقْفَةْ بِينْ نِيلِينْ إشَارَةْ
شُعْلَة
إنْسَانَّا الْجَدِيدَةْ
إلى قوله في القصيدةِ ذاتِها :
ضَوْ رِسَالِي
حُلْمُو بِكْرَةْ
وُمَا بِبَالِي
بِالْبَنَادِقْ
أوْ
هِرَاوَاتْ الْعَسَاكِرْ
والْتَّلافِيقْ
الْفَطِيرَةْ
ضَوْ نِضَالِي
شُوفْ
وُفِكْرَه.
  ويواصل الأستاذ عادل – عبر أغنياته ولسانه وجسده المُنهَك- حُداءَ المواكب الثائرة إلاَّ أنَّه يخفِّف عنها وعثاء القهر وجرعات الألم والعنف المقنَّن والموت الزؤام من لدنّ أعداء الحرية والكرامة والعيش الكريم :
الْبَاقِي خَطْوَةْ
إلَى
الْوَطَنْ
أنَا وُإنْتَ وَالنَّاسْ الْهِنَا
اللَّمَّةْ
والْوَجَعْ الصَّرِيحْ
مِنْ غِيرْ شَجَنْ
أوْ الْتِبَاسْ
الْفِكْرَةْ إنَّكْ
فِي شَارِعْ الثَّوْرَةْ النَّصيحْ
مَكْشُوفْ وُعَارِي وُمُزْدَهِي،
بِي ألفْ صُوتْ
ضِدْ الْفَسَادْ الْمَنْهَجِي
ضِدْ
التَّوَابْعَ لِلتَّوَابِعْ
أوْ
تَوَابِعْ التَّابِعِينْ
ضِدَّ اللَّي بَاعُوكْ للْمَنَافِي
وُقَالُوا دِينْ
الْفِكْرَةْ إنَّكْ
هِيْ الأسَاسْ
جَمْرَة
وُخَلاصْ
صَبْرَ الْبِيُوتْ الْقَاعْدَةْ
فِي صُوتَ الْمَسِيحْ
وُضُلْ فَرَاشَاتَهَا الشُّمُوعْ
بِتْصَلِّي لِيكْ
قَرَّبْ خَلاصَكْ
والْوَطَنْ
الْبَاق

 

تعليق عبر الفيس بوك