مشروع تصنيف النفوس الخاصة (1- 2)

 

عائشة بنت أحمد البلوشية

 

نجتهد ونعمل ونبذل قصارى جهدنا بكل ما آتانا خالقنا من حب وإخلاص في أمر ما، لم يكن أمرا من قبل رؤسائنا في العمل، ولكنها كانت فكرة بدأت بسؤال (لم لا؟)، فقمت أنت بوضع رؤوس الأقلام، واجتمعت بزملائك وعرضت عليهم لتبدأ تلك الفكرة بالتكون كجنين في رحم عقول شابة تنبهت إلى زواياها المفيدة للمجتمع، وما ستدره من خير على الوطن، فتشحذ الأدمغة همتها، وتشمر سواعد الإدلاء بالتطوير والتحديث عن إبداعها، وبالفعل ينمو الجنين، ويصبح مكتملا ليرى النور، فتذهب حاملا ملفك لرئيس وحدتك، فيعجب بالخطة برمتها، وبعد أن يضفي بوقار لائق ملاحظاته المثرية، يعطيك الضوء الأخضر لتبدا بالعرض التعريفي لجميع الفئات المعنية، وتجد ذلك الترحيب الرائع يسبق الولادة الحقيقية، ويزداد الحماس لديك ومن معك من زملاء للمساهمة في وضع اللبنات الحقيقية لتنفيذ تلك الفكرة على أرض الواقع، وحتى لا تدفع بذلك الجنين للمشي مباشرة بعد الولادة، تبدأ في التدريب والتحضير ثم التجريب، وتأتيك الملاحظات الرافدة من جميع شرائح المجتمع، بما يخدم ذلك الوليد الجديد ليتمكن من المشي على الأرض دون تعثر، فتأخذ بها، وتحاول جهدك لأن تعدل من طريقته في المشي، وبعد أن تطمئن إلى أنك قد دربته على المشية الصحيحة دون وقوع أو اتكاء، ترسله كي يمشي في جميع الاتجاهات، فيأتيك حاملا أكياس الهدايا ممن زارهم، لتقوم وسط فريقك الأخوي المؤمن بتلك الفكرة في فرز محتوى الأكياس، لتجد في نفسك وجميع من حولك أن الوليد أتى بهدايا رائعة قيمة، فتقول لمن حولك: يمكننا الآن أن نطلق ساقيه ليقطف ثمار غرس كل واحة، فقد امتلك القوة العقلية والجسمانية، وبالفعل يصبح الأمر أشبه بالنصر الذي يجب أن يحتفى به، ولكن تأتي المشيئة الإلهية فوق كل شيء، فترحل أنت لتقبع في ركن قصي ما بين برزخ الأرفف المعتادة منتظرا، ما الذي سيحل بذلك الوليد، لتفاجئك الليالي بعد سني بحثك عنه بين الأدراج تجد من يعزيك في وفاته، فيعتصر قلبك ألما على فراقه، وبعد سنوات قصيره تأتيك الصاعقة بأنّه على قيد الحياة، ولكن اسمه قد تغير، وأنّه أصبح يحمل اسم والد آخر بالتبني، حيث قاموا بغيير قصة شعره، وألبسوه ثيابا مختلفة تتماشى مع موضة العصر، بعد أن سلموه لأسرة بديلة بتهمة أنك كنت مدللا لذلك الوليد، ثم بعدها انتزعوه ليضعوه في دار للرعاية بتهمة الإهمال، وأخيرا أدخلوه مصحة عقلية تقوم بمسح ذاكرته باستخدام الكهرباء، لا لشيء إلا لينسى أسرته الأصلية برمتها، فينسى أهدافها ومؤشراتها وفكرتها الرئيسية، ويصبح ربيب التصفيق ترافقه الأغنية الشعبية: (تاتا حبى مشى.. يسبق أمه ح العشاء)، رغم أنه أصبح يافعا وجاهزا ليشرع مراكبه لرياح العطاء؛ والسؤال هنا لماذا؟ لماذا نشوه أنفسنا ونضعها في تصنيف ضعيف؟ بينما كنا نستطيع وبسهولة، أن نتكاتف ونربي ذلك الطفل سويا، ويصبح كل منا في التصنيف الأعلى، لأننا مددنا أيدينا لبعضنا وشبكنا أصابعنا لنرفع ذلك الطفل فيقطف تفاحات الإنجاز الحاضرة للقطاف؛ عندما كنا صغارا كان المجتمع كله يريد لكل طفل أن يكبر  على ذات المبادىء والأخلاق، فالأسرة تربي، والجار يربي، والمعارف يربون، ومعلم القرآن يربي، كان الجميع يتكاتف ليصنع من ذلك الطفل لبنة صالحة لمجتمعه، لكن اليوم للأسف أصبحت الأسرة مشتتة بين عدة عوامل، وأصبح العالم الافتراضي ملاذا بصالحه وطالحه، بل أن ولي الأمر قد يجرجرك إلى الادعاء العام أو المحاكم لمقاضاتك، لأنك تجرأت كي تنصح ابنه/ ابنته، فتصبح في موقف لا تحسد عليه، لذا عليك الاهتمام بنفسك وأسرتك أولا وأخيرا، فكل لفتة أو كلمة أو إيماءة قد تترجم ضدك.

المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، والقوة لا تأتي بالخمول والركون إلى نسف عمل غيرك لتظهر أنّك أنت الأفضل والأحنك والأذكى، بل أنفع الناس بعلمك، وهذا ليس بمعناه الحصري، أي ليس علمك ذلك الذي تعلمته في المدرسة أو الجامعة فقط، بل قد يتجاوز ذلك المعنى بسمو وعلو كبيرين، فكل درس تعلمته من مواقف الدنيا وعبرها وانتفعت به، يصلح أن يكون فيه ما ينفع الناس، أفلم تسمع عن المقولة الشريفة: (الدين النصيحة)؟ لذلك ربما نصيحتك تأتي على علة كانت في شخص ما، حتى كادت أن تفتك به، فداويتها بالنصحية الطيبة الهينة اللينة، وشفيته منها وظل يذكرك بالفضل سرًا وجهرا، ولكن هنالك من يقول بأنّ الكثير باتوا لا يستنصحون، وإذا تحدثت مع أحدهم هاج وماج واتهمك بالتدخل في شؤونه، وهنا أقول بأنّك من يزن الأمور، وبحذاقتك ستعرف من الذي يستحق النصيحة، ومن هو ذلك الشخص الذي يجب أن تمر به مرور الكرام، بل تترفع حتى عن الكلام معه إلا بإلقاء السلام، فإنّك بذلك تخاطب الله تعالى، فإن رد كتبت له حسنة، ولك بأفضليتها لأنك ابتدأت، وإن لم يرد فهناك الكريم المتعال سوف يحاسبه، وأستغرب من يقول لي بأن فلانا حظرني من مواقعه المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي، فأسأله وهل انتهى لعالم لهذه الأسباب؟ هل انتهت حياتك بفعلته، تأكد بأنّه الخاسر، فصديقك من صدقك النصح، وليس من صدق كل كلمة تفوهت بها فصفق لك منافقا، لغرض دنيء في نفسه، وليس أضر على مجتماعتنا من الرياء.