دار الوراق .. 4 سنوات لتمكين الكتاب والكُتّاب العمانيين

د. سيف المعمري

نشأت دار الوراق في لحظة من اللحظات التي شعر فيها مؤسسوها وهم كتَّاب؛ أنَّ البلد ينقصها رئة فكرية قادرة على استقبال الفكر الذي يحمله مجتمعها، وإعادة فلترته وتقديمه إلى النشر، وكان هناك دائماً شعور بأنَّ الكتاب الذي كان ينصع في عُمان خلال قرون مضت، وينتقل إلى بقية المدن كمرجع رئيسي للباحثين والعلماء، لم يعد له مكان يصنع فيه إلا خارجها، مما جعلهم يشعرون أنَّ هناك مهمة ومسؤولية كبيرة لابد أن يستلم زمامها أحدٌ مختارا للمساهمة في توطين صناعة الكتاب في عمان التي لا أحد يعرف حتى الآن: سر قلة دور النشر فيها، رغم حُب مجتمعها للعلم والمعرفة؟

ورغم اشتغالهم بالتأليف قبل غيرهم من شعوب المنطقة؟ ورغم وجود عدد كبير من شبابها الموهوبين والمبدعين في حقول المعرفة التي يتطلعون لم يأخذ بيدهم للنشر، فلا يجدون أيادي ممتدة لهم إلا من خارج بلدهم، مما يُعد أمرا غير طبيعي لابد من المُبادرة في تجاوزه، فكان القرار بتأسيس هذه الدار لتكون بيتاً للكتاب العماني، ولتكون عوناً للكتاب العُمانيين أولا وغيرهم ثانيًا، انطلاقًا لتحقيق هدف سام وضعه القائمون عليها وهو "لصنع مجتمعات مفكرة" مؤمنين أنَّ المجتمع المفكر القارئ هو مجتمع قادر على الارتقاء ببلده ومجتمعه، وأقل نزعة للتعصب والعنف وغيرها من الصفات التي تنتشر في المتجمعات غير الواعية.

بدأت دار الوراق في عام 2015 بمجموعة من الكتب لم تتجاوز 35 كتاباً، وخطفت الأضواء والاهتمام منذ مشاركتها الأولى في المعرض، وتنامى عدد مبادرات الدار الثقافية خلال السنوات الثلاث التالية وكذلك عدد إصداراتها التي بلغت خلال هذا العام ما يقارب 54 إصداراً، ليصل بذلك مجموع إصداراتها إلى 450 إصدارًا لنخبة متنوعة من الكتاب والباحثين وكبار الأكاديميين والأدباء والأطفال من داخل عُمان وخارجها، الذين وجدوا دارا تعمل بشكل مُختلف همها الأول هو مساندة الكاتب العماني لينشر خلاصة فكره، فلم تبخل بدعمها على الجميع، وساندت وقدَّمت مؤلفين شباب لم يجدوا من يتبناهم داخل البلد، وأصدرت لهم كتباً انتشرت على نطاق واسع بل إنَّ بعضها نفذت طبعاته. وعملت الدار على دعم مختلف المؤسسات الثقافية وفي مُقدمتها مكتبة الطفل العامة التي تبرعت لها بعدد كبير جدًا من الكتب حتى تساعد هذه المكتبة في القيام بدورها في تثقيف الأطفال، كما دعمت جماعات قرائية في مؤسسات التعليم، وقدمت كتبًا للمكتبات العامة داخل عُمان وخارجها في عدة دول تحقيقاً للحق في المعرفة والحق في الانتشار لكُتابنا المحليين، وأنشئت منصات دائمة على شبكات التواصل واستضافت عددًا من الكتاب والأدباء فيها، وجعلت منها وسيلة للترويج للكتاب وإيصاله لمُختلف أنحاء العالم، مما جعل الدار تقف كواجهة أولى لصناعة الكتاب العماني ونشره، والدار في هذا تُؤكد على هذه الريادة، وتؤكد على مُضيها في تعزيز مشروعها الفكري والثقافي في عُمان لتكون بيتاً للكتاب والكتاب، والطامحين لأن تطور مهاراتهم في الكتابة.

ومما يُميز الدار في معرض مسقط للكتاب 2019، هو اهتمامها بجوانب ذات أولوية داخل البلد حيث أعلنت الدار دون غيرها من المؤسسات الثقافية بالبلد بتبني مشروع توثيقي وتربوي للتاريخ العماني، وأصدرت ثلاثة كتب على قدر كبير من الأهمية من ضمن هذا المشروع، الأول بعنوان "المهالبة العمانيون: رجال العلم والسياسة" للباحث يوسف الرواحي، والكتاب الثاني بعنوان "آل الرحيل: خمسة قرون من صياغة الحياة السياسية والعلمية في عمان" للدكتورة بدرية الوهيبي، أما الكتاب الثالث بعنوان "الحياة العلمية: في قرون الصراع بين الرستاقية والنزوانية والنباهنة" للباحثة نورة الكلبانية. وعلاوة على هذه الكتب دشنت الدار خمس قصص لشخصيات عُمانية مؤثرة ضمن مشروعها للتعريف بالشخصيات العمانية وتوفير مادة تربوية للمدارس المخلتفة لتعزيز المعرفة بأعلام عمان، ومن ضمن هذه الشخصيات: الخليل بن أحمد، والمهلب بن أبي صفرة، والسيد سعيد بن سلطان، والعلامة أبو مسلم البهلاني الرواحي، والإمام سيف بن سلطان اليعربي، وهي من تأليف صاحبة الدار زينب الغريبية ومراجعة الدكتور إسماعيل الأغبري والدكتور ناصر الندابي، علاوة على ذلك تدشن الدار أربع روايات من مشروعها "إبداعات أدبية" والذي يهدف إلى تقديم أدباء وكتاب جُدد يثرون حضور عمان في الساحة الأدبية، والروايات هذه هي "طوق الثريا" لمُحمد البلوشي، و" الهارب إلى الكفن" لمريم الجابري، و"حفاة على طريق الدماء" لبثينة السيابي، وغرابيب لمريم الريامي، إضافة إلى ذلك يوجد الديوان الأول للشاعر يوسف الكمالي بعنوان "الصادق المفضوح"، وكتاب "الطيار" كتبه طيار عُماني هو ناصر الحبسي عن حياة الطيارين وما يمُر عليهم من مواقف كثيرة. وأيضًا تقدم الدار كتاب "جمهورية الأطفال" وهو لأصغر كاتبة بالمعرض الشيخة المعمرية التي تعد نتاجاً لمشروع الدار في تبني المواهب الصغيرة؛ حيث أصدرت من قبل ثلاثة كتب لأطفال من بينهم هذه الكاتبة. وتنفرد الدار بمجموعة مهمة من الكتب التربوية المتخصصة في مجال المواطنة لأشهر التربويين المختصين في هذا الموضوع، علاوة على كتب تتعلق بالسيرة الذاتية، والأدب، والتنمية البشرية، وتعد الدار الواجهة الأولى لأدب الطفل في عُمان حيث تضم مجموعة كبيرة من القصص الموجهة لتعزيز القيم الوطنية والإنسانية لمجموعة من الكتاب من داخل عمان وخارجها، وهناك كتب فكرية، وفلسفية، واقتصادية متنوعة.

إنِّها قصة نجاح للاستمرارية رغم كل التحديات؛ والتعويل في دار الوراق دائمًا على قيمة الكتاب، وانتصاره على كل قيمة أخرى، ولذا تقف دار الوراق في منتصف المعرض بمواجهة البوابة الرابعة التي تستقبل معظم الداخلين إلى المعرض، تقف كرمز ثقافي عماني، وواجهة وطنية بما تملكه من هذا الرصيد المتنامي الذي تحتاج دور النشر إلى سنوات طويلة لتحقيقه ولكنها الإرادة لتمكين الكتاب، والتي تقود إلى تمكين الإنسان، وتمكين المجتمع، وتمكين الحياة، وتمكين الوعي، وبالوعي تصنع البلدان، وتتماسك المجتمعات.