البحث عن "مشعوذ"!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

قبل فترة التقيتُ بمواطنٍ خليجيّ يبحث عن "ساحرٍ" عمانيّ، ليعينه على قضاء حاجة في نفسه!! قطع هذا الرجل آلاف الكيلومترات براً ليصل إلى أرض "السحرة" التي سمع عنها من بعض "المجرّبين"، والحقيقة أنني لم أستغرب سؤال صاحبنا هذا، لأنني أعرف كثيرا من الخليجيين الذين رسخت في أذهانهم هذه الفكرة المتوارثة المغلوطة عن السلطنة، والتي روّج لها بعض العمانيين للأسف، ومن خلالها تتم عمليات النصب والاحتيال، والاستغلال، والابتزاز لطرفٍ جاهلٍ يعتقد جازما أن "المخلّص" لمشكلته يأتي عن طريق السحر والشعوذة.

وزبائن هؤلاء المشعوذين ليسوا فقط من النساء، أو الجهلة من الناس، بل يمتد تأثيرهم ليشمل مسؤولين، وفنانين، وإعلاميين، وأطباء، وغيرهم من الفئات المتعلّمة التي تحاول أن تصل إلى أهدافها بأقصر وأسرع الطرق، وربما يحتاج بعضهم لمعرفة أعدائه، وفرزهم، وأحيانا أخرى لمعرفة المستقبل الذي ينتظرهم! وتتسع مساحة البحث لتشمل علاج الأمراض المزمنة التي عجز الأطباء عنها، والعقم، وما يسمى بـ"الربط"، والبحث عن زوجٍ، أو حبيبٍ أحيانا، وغير ذلك من أمور تصعب على طالب الأمر، وتسهل- في نظره- على "الباصر" أو المعلّم.

ومن مظاهر الشعوذة والدجل أحيانا ما يسمّى بـ"الزار" وما شابهه من طقوس شيطانية غرائبية تقام "جلساتها" في بعض الولايات، ويكون زبائن هذه الحلقات إما ضحيّة "محلية" أو ضحيّة "أجنبية" جلبها حظها الرديء لتحط رحالها بين مجموعة من الدجالين، والنصابين الذين يبتزون أموالهم، ثم يتركونهم عرضة لمصيرهم الذي لا يملكون ردّه، كما ينتقل بعض أصحاب "الزار"- حسب طلب الزبون- إلى دول الجوار لإقامة "جلسات خاصة" لضحاياهم، وبمبالغ عالية حسب حالة المحتاج.

والعمانيون أنفسهم روّجوا لهذه الفكرة "خارج الحدود" من خلال تناقلهم- حكايات غير منطقية دون تحقيق أو تمحيص- عن السحرة، وأحيانا عن "الأولياء" الذين يفعلون الأعاجيب والمعجزات، وما تزال بعض المناطق تحمل تبعات هذه الأفكار والخرافات، وكأننا في زمن موسى، ولا شك أن ذلك يترك انطباعا مؤثرا لدى بعض الناس، وبذلك تتمدد الفكرة، ويتسع المشهد وتكبر الصورة في الأذهان، وكل ذلك يسيء بطريقة أو بأخرى للمجتمع العماني ووعيه وثقافته.

ورغم أن السلطات الأمنية في السلطنة تقف بالمرصاد لهؤلاء المشعوذين، ونسمع قصص القبض على العديد منهم، إلا أنّ ذلك يأتي بعد أن يقع كثير من الناس ضحايا لهؤلاء الدجالين، وبعد أن يقضي المشعوذ وطره، ويترك خلفه دمارا شاملا خاصة لدى النساء اللواتي يسلّمن أمرهن له لكي يحصلن على غاية لا يصلن إليها أبدا، وبذلك يترك المشعوذ آثارا نفسية مخزية على ضحيته، وأسرتها، وكم من جريمة مروعة كان وراءها دجالٌ خبيث وامرأة ساذجة.

وفي بعض المرات تم إلقاء القبض على عمانيين في دول خليجية يمارسون أعمال الشعوذة، وحُكم عليهم بالسجن، ولم يشفع لهؤلاء "سحرهم" ودجلهم، بل أنهم لقوا معاملة صعبة - يستحقونها- في السجون. والواقع أن هؤلاء المشعوذين استغلوا الفكرة الرائجة لدى بعض مواطني بلدان الخليج، واشتغلوا على جهل الناس هناك، وحاجتهم لقوّة غيبية تساعدهم على قضاء حوائجهم، فسرحوا ومرحوا ولعبوا على وتر الإيمان الضعيف في نفوس البسطاء، وأثرى كثير من هؤلاء الدجالين على حساب جهل الناس، وغبائهم، ولكن أيضا على حساب سمعة هذا الوطن العزيز.