دور الاقتصاد الإسلامي في نجاح الدول.. ماليزيا نموذجًا (2-2)

جمال النوفلي

أهم الأسباب التي ساعدتْ ماليزيا في نجاحها هو أنَّها كانتْ تهدف أساسًا لإثراء الماليزيين أنفسهم جميعا دون تمييز؛ يعني إثراء الناس هو الهدف الأساسي؛ سواء كانوا من الملاويين الأصليين أو المهاجرين والمقيمين؛ لذلك كان هناك تعاون وتجاوب من شتى الأطياف والأعراق لأجل إنجاح المشروع، والذي حوَّل فقراء الماليزيين إلى أثرياء ومتعلمين ومسؤولين ورجال أعمال، وتخلَّصت من مشكلة البطالة التي كانت تعاني منها منذ زمن بعيد. والسبب الثاني الذي أدى لنجاحها هو إشراك جميع أطياف المجتمع في العمل والإدارة واتخاذ القرار؛ فلم تكن السلطة حصرًا على عوائل وأسماء مُعيَّنة دون الآخرين كما يحصل في كثير من البلدان، كما حرصتْ أيضًا على تنويع مصادر دخلها منذ البداية، فلم تُهمِل مصادر دخلها الأصلية كالزراعة والصيد من أجل المصادر الصناعية والتكنولوجية الحديثة.

تعرَّضت ماليزيا لأزمة اقتصادية في العام 1997، كما تعرضت لها كثير من البدان في الشرق، وأدت الأزمة لهبوط سعر الرنجيت إلى مستويات متدنية جدًّا، وبدأت رؤوس الأمال تهرب للخارج، كما هبطت أسعار البررصة وانتشرت البطالة، وتأثرت الأسواق وعانى الناس معاناة شديدة. عندها، قام صندوق النقد الدولي بتوجيه الحكومة الماليزية لاتخاذ بعض الإجراءات لتعديل سياستها النقدية والإدارية في البلد كالاقتراض من الخارج بدلا من الاعتماد على التمويل الداخلي؛ لأنَّ ماليزيا كانت تصرُّ على استثمار أموال الناس ومدخراتهم في الدولة عن طريق الخصخصة، وإشراكهم في أسهم الشركات، وتبنِّي بعض الأساليب المتوافقة مع معتقداتهم كالبنوك الإسلامية وصناديق الحج... وغيرها، والتي تعود بفائدة دينية ومادية على الناس، وكان سبب إصرار ماليزيا على هذه السياسة هو أنَّ فائدة الاقتراض من الداخل كانت أقل بكثير من الاقتراض الدولي الذي بلغت فائدته عند حلول الأزمة 12%،  كما وجه صندوق النقد جملة من التوجيهات المتعلقة بربط العملة والحد من استقبال الهجرات وغيرها، إلا أنَّ الحكومة الماليزية تجاهلت تلك التوجيهات وأصدرت بعضًا من الأوامر والسياسات الجريئة ضد مضاربي العملات والمستثمرين الأجانب وحاملي السندات، سياسات اتَّسمت بالجدية والحزم؛ مما أخرج ماليزيا من مأزق الكساد وسقوط العملة كما حصل في بعض الدول المجاورة لها.

ظلَّ اقتصاد ماليزيا ينمو بشكل تصاعدي مُتجاوزا حتى بعض الدول الأوروبية المتقدمة كما خطط له الماليزيون، وفقا لمشروع 2020، الذي أطلق عام 1990، إلا أنَّ هذا الاقتصاد الذي أبهر العالم بدأ يتعثر في السنوات الأخيرة، وبدأت كثير من المشكلات المالية والاقتصادية في الدولة تطفو إلى السطح؛ الأمر الذي جعل الماليزيين يُطالبون بعودة مهاتير محمد لقيادة الحكومة وإعادة ماليزيا إلى مكانتها السابقة لإكمال مشروع 2020، وقد عاد مهاتير للرئاسة فعلا قبل عامين فهل تحقق لهم يريدون؟

تعليق عبر الفيس بوك