توزيع الغنائم في السودان!

عبيدلي العبيدلي

حظت السودان باهتمام وسائل الإعلام العالمية والعربية؛ حيث تناقلت تلك الوسائل أحداث الحراك السياسي الأخير الذي تقف وراءه مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية، بل وحتى الاجتماعية، وهذا ما حدا بالرئیس السوداني عمر البشیر، إلى التعهد "بإطلاق سراح كل الصحفیین المعتقلین لدى جھاز الأمن وحل كافة القضايا المتعلقة بالصحافة والإعلام. وهو ما قاله البشیر خلال لقائه مع قادة أجھزة الإعلام والصحافة، ببیت الضیافة، إن ھناك اتجاھاً لتكوين لجنة برئاسة شخصیة قومیة مقبولة لدى كل الناس لإعداد مسودة الدستور الدائم للبلاد. كما أكد أن باب الحوار مفتوح مع أي جھة لتحقیق السلام وإخراج البلاد من الأزمات السیاسیة والاقتصادية".

من جانبها، أكدت وكالة الأنباء السودانیة (سونا)، أنه وبالإضافة لكل ذلك حرص البشير على التنويه إلى "استعداد الدولة لرفع كل التكالیف وإلغاء الضرائب والجمارك على مدخلات صناعة الصحافة، مشیرا إلى ضرورة إيجاد مؤسسات صحافیة قوية تخدم قضايا البلاد. وأضاف البشیر أن الحكومة انتھجت صیغة الحوار وصولاً إلى تحقیق سلام دائم وتوافق وطني".

جاء كل ذلك إثر صدامات، تطوَّرت إلى مواجهات دامية بين الشارع السوداني الذي بات يغلي، ورجال الأمن، وذهب ضحيتها عشرات الضحايا من المواطنين بين جريح وقتيل. ويقف وراء هذا الانفجار، مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادي التي يمكن أن نورد الأهم من بينها في النقاط التالية:

على المستوى السياسي: يذهب البعض إلى القول بأن "النُّخب والحكومات التي حكمت السودان عبر العصور المختلفة لم تكن مقبولة ولم يتم انتخابهم من إرادة المواطن السوداني؛ لأنَّ معظم هذه الأنظمة جاءت إلى سُدة الحكم عبر انقلابات عسكرية وأخرى عبر تزوير إرادة الشعب؛ لذا لا يمكن أن يتمتع هؤلاء الحكام بالشرعية الدستورية، وليس لهم سند قانوني ولا إجماع وطني يخوِّلهم الحُكم في بلد كالسودان الذي يتعدد فيه الإثنيات والديانات".

البعض الآخر يرى أنَّ القشة التي قصمت ظهر بعير الأزمة السودانية الخامدة، كانت "تلقي البشير الدعم من حزبه لخوض الانتخابات لفترة رئاسية ثالثة، والمقرر عقدها عام 2020، رغم الحد الدستوري بفترتين رئاسيتين فحسب.

وربما تكون تلك الأسباب السياسية مجتمعة هي التي قادت للانفجار الشعبي الذي لم يتوقف حتى الآن.

أما على المستوى الاقتصادي، فهناك العجز الملموس في موازنة 2018، إذ إنه عندما أعلنت الحكومة السودانية عن موازنة 2018 "بإجمالي قرابة 25 مليار دولار، وعجز يبلغ 4.11 مليارات دولار، تشكل نسبته 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. (كما) عانت العاصمة السودانية الخرطوم،  من أزمة عدم توافر  الجازولين  في عدد كبير من محطات الوقود، واصطفاف المركبات أمام المحطات لساعات طويلة؛ مما أدى لحدوث أزمة في المواصلات العامة. وسبق أزمة الجازولين، أزمة في توفر الخبز بعد إعلان الدولة رفع الدعم نهائيًّا عن القمح، وزيادة أسعار الدقيق بنسبة تقدر بأكثر من 200 بالمائة... مما أدى لارتفاع أسعار الخبز للمستهلك النهائي. (وأخيرا هناك) تواصل هبوط قيمة الجنيه السوداني أمام سلة العملات الأجنبية بصورة مستمرة، بعد دخول الموازنة إلى حيز التطبيق".

كل هذه الأمور وأخرى غيرها قادت لذلك الانفجار، الذي ليس هناك ما يدل على احتمال نجاحه في إحداث التغيير في السلطة السياسية القائمة، الذي باتت الدعوات له تسيطر على هتافات المشاركين في ذلك الحراك،  بفضل الأسباب التالية:

1- أن ما تتناقله وسائل الإعلام من تطور الحراك السياسي لا يكشف سوى إجماع المشاركين في ضرورة تغيير النظام، لكن أيًّا من تلك القوى -بما فيها تلك التي تقود الشارع السوداني اليوم- لا يُشكل رافعة تاريخية قادرة على نقل الحراك من مجرد مظاهرات وصدامات في الشارع إلى برنامج عمل ملموس، يقود نحو أهداف محددة، بما في ذلك دعوة الحوار التي بادر لها النظام. هذا لا ينتقص من شرعية المطالب، لكنه لا يقود نحو التغيير المطلوب حتى في أبسط صوره التي لا تتجاوز إصلاحات هامشية محدودة.

2- الانقسام داخل القوى الرئيسة المعارضة التي يدعو البعض منها، ولا يزال البعض الآخر يقف متفرجا، بفضل خلافات تاريخية؛ الأمر الذي يحول دون بروز تكتل وطني متماسك يلتف حول مشروع وطني قابل للتحقيق، يمكن أن ينقل السودان النقلة المطلوبة من أجل التغيير. لا يكفي ما يقوم به "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي يبدو أنه من يقود الشارع اليوم، والذي   في مايو 2016، فهو وليد لحظة تاريخية معينة لا تكفي لتأسيس التكتل الوطني القادر على قيادة الحراك السوداني نحو مشروع وطني متكامل. فالتجمع المهني، بصورته الحالية، وكما يعبر عنه ميثاقه، لا يذهب إلى أكثر من "توحيد النقابات الشرعية وبناء النقابات الشرعية بين أصحاب المهن الأخرى التي لم تظهر بينها اللجان النقابية الشرعية بعد".

3- أن القوى العظمى -بما فيها الولايات المتحدة- غير معنية اليوم بشكل مباشر ومُلح -بفضل انشغالاتها في ساحات شرق أوسطية أخرى؛ في مقدمتها: إيران وسوريا- بما يجري في السودان، ومن ثم فهي الأخرى لا تمتلك خارطة طريق واضحة نحو مستقبل السودان، سواء بوجود البشير أو في حال غيابه. ومن ثم فهي لم تدس أنفها كما سبق وجرى في مطلع العقد الثاني من القرن 21، عندما اندلعت انتفاضات مشابهة، وربما أشد عنفا، وأوسع نطاقا، في بلدان عربية أخرى.

تُعلِّمنا تجارب الحراك العربي -الذي وصفه البعض بأنه "الربيع العربي"- أن الحراك السوداني اليوم يقف أمام مستقبل معالمه ليست واضحة، والخشية كل الخشية هو أن ينحرف هذا الحراك، كما شهدنا في ساحات عربية أخرى، خلال السنوات السبع الماضية، عن مساره السليم، وينتهي به الأمر إلى أن توضع مطالبه العادلة والشرعية على طاولات مفاوضات، تتقاسم حصص نتائجها قوى سياسية، ذات مصالح حزبية ضيقة لا تصل شموليتها إلى التغيير المطلوب، الذي قدمت التضحيات من أجل الوصول له.

غنائم الحراك السياسي، وليس مصلح السودان الحقيقية، هي ما تخشى أن تراه عينَا المراقب المتابع للحراك السياسي الأصيل الذي اندلع في السودان.