دور الاقتصاد الإسلامي في نجاح الدول .. ماليزيا نموذجا (1- 2)

 

جمال النوفلي

 

ربما قد وعدتكم في مقال الأسبوع المنصرم أن أجيب عن بعض الأسئلة المُثيرة للجدل منها على سبيل المثال هل نحن فعلاً بحاجة إلى مالية إسلامية لتكون معيشتنا هنيئة واقتصاد دولتنا ناجحًا، وكنت وعدتكم أيضًا أن أعرض تجارب بعض الدول التي عرف عنها تبنيها للمالية الإسلامية كمبدأ وشعار لها في اقتصادها، والحقيقة أجدني مضطراً إلى أن اعترف لكم أنني من خلال قراءتي وتجربتي القاصرة أرى أنَّ المالية الإسلامية لم تكن سبباً أساسيًا في تطور مجتمع ما من المجتمعات أو دولة ما من الدول، ولم تكن يومًا ما حامياً لأية دولة ضد  أي انهيار اقتصادي أو كساد أو تضخم مالي أو أي من الكوارث التي تمر بها الدول، وإني على يقين تام بأنكم تستنكرون قولي هذا وتشيرون إلى تجارب إسلامية ناجحة وظاهرة ومعروفة وصامدة حتى اليوم كنموذج للاقتصاد الإسلامي الناجح، مثل ماليزيا، لكنم لا تنسون أن تشيروا إلى الدول التي تتبنى المالية الإسلامية ومازالت تُعاني مثل السودان وباكستان.

طبعاً قولي بأن تبني المالية الإسلامية كأسلوب وتوجه اقتصادي ليس سبباً في نجاح الدول لا يعني بأي حال من الأحوال أنني أزعم أننا في غير حاجة إلى المالية الإسلامية أو أن المالية الإسلامية هي مجرد خرافة، لا بل أنا أدعو إلى تبني المالية الإسلامية وتطبيقها خاصة في الدول المسلمة أو تلك الدول التي نسبة كبيرة من سكانها مسلمون، وذلك لتحقيق الشمولية المصرفية.

إن عرضنا التجربة الماليزية باختصار شديد فسوف نجد أنَّ ماليزيا هي دولة حديثة جدا، فعمرها من عمر باقي دول الخليح التي تحصلت على استقلالها في النصف الثاني من القرن العشرين، ماليزيا كانت أيضًا أرضًا وإقليمًا من الأقاليم التي تسيطر عليها بريطانيا، حتى أنها كانت تسمى ملايا البريطانية، وفي سنة ١٩٦٣ استقلت عن بريطانيا مكونة جمهورية من الأعراق والأقاليم التي فيها، إلا أن ذلك لم يستمر فقد حلت وأعيد تنظيمها من جديد في عام ١٩٦٥ بخروج سنغافورة، وهي الآن أي ماليزيا دولة اتحادية ملكية دستورية، طبعًا النظام عندهم نظام ديمقراطي فرئيس الوزراء يتم تعيينه بالانتخاب، والسبب في ذلك أن ماليزيا ليست كلها مسلمة كما يظن الكثيرون، فالمسلمون فيها لا يشكلون أكثر من ٦٠ بالمئة من التعداد السكاني، على الرغم من أن حكومة ماليزيا شجعت وجنست المهاجرين المسلمين من الدول المجاورة، كما أن الماليزيين ليسوا كلهم عرقا واحدا كما نظن نحن العرب من خلال تشابه وجوههم بل هم أعراق وقبائل مختلفة لهذا لم يكن بالإمكان أن تعلن ماليزيا صراحة أنَّها دولة مسلمة على الرغم من ممارستها المتوافقة إلى حد بعيد مع المبادئ الإسلامية، كما أنَّ معاملاتها واقتصادها غير قائم كليًا على المعاملات الإسلامية، كما يظن الكثيرون بالرغم من أنها أفضل حالاً من كثير من الدول التي تتسمى بالإسلام وتدعيه، ففي ماليزيا تجد احترام جميع الطوائف والأديان والعدالة والمساواة فيما بينهم ففيها المعابد والكنائس والمساجد وفيها الحانات وأماكن اللهو وغير ذلك من ضرورات الدولة المتحضرة.

 عانت ماليزيا في بداية نشأتها من الفقر والمرض والجهل كحال جميع دول العالم الثالث المتخلف ولم يكن لها أي مصدر للدخل عدا المطاط الطبيعي الذي كان ينتج ويصنع ويصدر منها، إلا أن الظروف السياسية المحيطة بها وإرادة الشعب الماليزي ساعدا على إخراجها من حالة الفقر لتكون إحدى الدول التي تنافس الدول المتقدمة في التكنولوجيا والصناعة، إن رغبة الولايات المتحدة في خلق منافسين جدد في الشرق الآسيوي للحد من قوة وغطرسة الاتحاد السوفيتي ساعدت على استقلال بعض الدول ككيانات اقتصادية مستقلة ومنافسة، كما أن رغبة الماليزيين في التوحد والخروج من حالة الفقر ساعدتهم في اختيار القيادة المناسبة التي أخذت نتائج أعمالها تؤتي أكلها منذ عام ١٩٧٠ عندما جعلت ماليزيا (النمو، التحديث، التصنيع) شعارا لنهضتها وثورتها ضد الفقر والتأخر والبطالة، وكان لها ما أرادت، وفي بداية عام ١٩٩٠ كانت لها بداية جديدة أخرى نحو التطوير من خلال ما أسمته بمشروع ٢٠٢٠.

 

تعليق عبر الفيس بوك