يوميات زائر لعمان (5)

 

عبدالرزاق بن علي

كان الأخ الفاضل الدكتور حسين الفارسي يتصل بي طوال فترة إقامتي وتفضل بدعوتي لبيته للغداء. وفي يوم موعدي معه حضر الدكتور سالم البحري إلى مقر إقامتي وأخذني معه في جولة إلى الرستاق ونخل.

ورغم التزاماته الكثيرة وانشغاله بمرض والدته وإقامتها في المستشفى فقد أبى إلا أن يكرمني بصحبته. فقد اطمأن على حالها وترك معها من يقوم بشأنها ومنحني جزءا من وقته. ورغم سعادتي البالغة بصحبته ورغبتي في التعرف على هذه المناطق فقد كنت محرجا لقناعتي أني أثقلت عليه في هذا الظرف. وصلنا سريعا إلى الرستاق واتجهنا الى قلعتها الشامخة التي هي أعلى قلاع سلطنة عمان. في بوابة القلعة اعترضنا المكلف بالبوابة وحين قدمت له الأخ سالم البحري وقدمني إليه استحى أن يطالبنا باقتناء تذكرتين رغم إيحاء صديقي له بذلك.

صعدنا درج القلعة وكان الأخ سالم أمامي بقامته الفارعة وبنيته القوية كقائد من قادة الإمام سيف بن سلطان اليعربي. وكنت أرى فيه كل عصور القوة التي عرفها التاريخ العماني على مر العصور وهو يسير أمامي عبر الممرات الضيقة والحجرات العديدة للقلعة. فصديقي أحد قادة الاتحاد الدولي لكمال الأجسام فضلا عن مواهبه الأخرى ككاتب وخبير ومسؤول كبير في وزارة التربية والتعليم.

شدني وأذهلني هذا المعلم التاريخي الضخم وكانت للشروح التي يقدمها صديقي عن التحصينات الدفاعية والمخازن وغرف السكن والاستقبال والزنازين أثرها الكبير في معرفة خبايا وأسرار القلعة، وحين هممنا بالمغادرة أبى المكلف بالبوابة إلا أن يدعونا لتناول فنجان من القهوة العمانية الطيبة.

بعد جولة ممتعة ورائعة في الرستاق تحولنا إلى نخل لنقوم بجولة في عين الثوارة التي تنبع مياها ساخنة ويقصدها الناس من كل صوب للتداوي والعلاج الطبيعي، وسعدت بجولتي مع الاخ سالم البحري كما لم اسعد في جولتي مع أحد من قبل وكنت مزهوا بصحبته رغم إحساسي أني شغلته في هذا الظرف.

انتقلنا إثر عودتنا لبركاء لبيت الأخ الدكتور حسين الفارسي. استقبلنا صديقي مرحبا أمام بيته على عادة أهلنا الطيبين في عمان. حضر الغداء وتحلق معنا حول البساط الذي فرش على الأرض ابنا الأخ حسين الدكتور طارق والمهندس خالد. ورغم مضي فترة على زيارتي فإن صورة ابني صديقي وجلوسهما في حضرة والدهما المهيب لا تزال تنطبع في ذهني. أحسست بقدر أبيهما لديهما في حركاتهما وسكناتهما وحديثهما المهذب. بالغ الأخ حسين في إكرامنا في الغداء بذبيحة على عادة جميع أهلنا الطيبين في عمان. وأصر على مصاحبتي بنفسه للمصنعة حيث المنتجع السياحي الذي نقيم فيه.

خلال العودة كنت أخوض مع الدكتور حسين في حوار حول المرحوم معمر القذافي ورغم معارضته له فإنه فضل قطع الحوار لأنّه رأى في نفسي ضيقا مما يقول ولعلّه وجد وجاهة في دفاعي عن الرجل الشهيد. ورغم اختلافي مع صديقي فإنّ إصراره على إكرامي في بيته واتصاله الدائم للاطمئنان منحه مكانة خاصة في نفسي. فمن عادة أهل عمان أنّهم لا يعتبرون الاختلاف معهم في الرأي ذريعة للكراهية والمشاحنة والبغضاء والقطيعة.

يتبع...

تعليق عبر الفيس بوك