بين التقشف والرشاقة


طلال بن عبدالله البلوشي | سلطنة عمان
تقشف، مصطلح كثر تداوله مؤخراً بسبب أزمة أسعار النفط، وكالعادة يطفو هذا المصطلح إلى السطح كلما مرت البلاد بأزمة اقتصادية، ويعرّف التقشف اقتصادياً بأنه سياسة تهدف إلى تخفيض النفقات وتقييد طريقة المعيشة، وبالعودة إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، عانت المؤسسات اليابانية في تلك الفترة من شح حاد في الموارد واقتصاد منهار مما جعلها أمام تحدٍ يصعب تجاوزه، وكان لابد من فرض سياسات تمكنها من إعادة تموضعها في السوق العالمية، مما هيأ الظروف لولادة منهجية إدارية جديدة أطلق عليها لاحقاً في عام 1987 مسمى منهجية التصنيع الرشيق " Lean manufacturing" وهو أسلوب إداري انتهجته شركة تويوتا ركز على التخلص من كافة أنواع الهدر.
 ورغم أن سياسة التقشف ومنهجية لين تشتركان في هدف خفض التكاليف، إلا أن الفرق شاسع بين آليات تقليل الصرف في المنهجيتين، فبينما تستهدف لين جوانب الهدر بدقة في كل الأنشطة التي تمارس في المؤسسة، نجد أن سياسة التقشف تعمد إلى الاقتطاع المبني على اعتبارات عامة تشمل الخصم من بعض البنود التي يعتقد بأنها تأتي في ذيل قائمة الأولويات كبند التدريب والتأهيل، الامر أشبه بمن يأتي إلى رجل سمين فيقطع منه رجله أو يده بهدف خفض وزنه مسبباً له إعاقة تجعله غير قادر على ممارسة حياته بصورة طبيعية، وهذا ما يحدث للمؤسسة عندما تقتطع ميزانياتها بشكل مفاجئ ودون دراسة معمقة، بينما تعمل منهجية لين على محاصرة جوانب الهدر بصورة تدريجية وبالأخذ بنفس المثال السابق للرجل السمين فالأمر في لين أشبه بأن تقوم كافة أعضاء الجسم بالتخلص من الشحوم الزائدة تدريجياً، وبتوجيه دقيق، مما يجعل الاقتطاع لا يطال جزء بأكمله وإنما يستهدف الأجزاء الخاملة غير المنتجة للقيمة، إذ تعمد لين إلى تفكيك أجزاء العمليات التي تنفذ في المؤسسة وتعيد تركيبها بعد أن تتخلص من جوانب الهدر فيها، وتصنف منهجية لين الهدر إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي: الهدر غير المضيف للقيمة ويتفرع منه سبعة أنواع وهي : الأخطاء التي تتطلب إعادة العمل ، الإجراءات الزائدة والتي لا تقدم قيمة حقيقية للمستفيد، الانتظار الناتج عن عدم انسيابية العمل بالإضافة إلى حركة الموظفين  ونقل المواد، وقد أضيف إليها نوع ثامن وهو الهدر الفكري أي قلة الاستفادة من المعارف والمهارات التي يمتلكها الموظفين، والنوع الثاني هو الهدر غير المتساوي، ويقصد به أي تذبذب في حجم العمل أو سرعته، والنوع الثالث هدر ناجم عن زيادة الأعباء وهو الضغط على الإنسان أو الآلة لأداء عمل فوق الحدود الطبيعية والذي يمكن أن يتسبب في مشاكل متصلة بالسلامة والجودة، وقد أنتجت المؤسسات التي تبنت تطبيق منهجية لين عدد كبير من الأدوات التي ساهمت في تطوير بيئة العمل على عدة مستويات منها زيادة رضا المستفيدين والعاملين وتقليل الفاقد واختصار وقت تنفيذ العمل وزيادة الأرباح وتحقيق مستوى أعلى في سلم التنافسية، ومن بين تلك الأدوات؛ حلقة عمل كايزن لتحسين الإجراءات، ومخطط تيارات القيمة وأدوات تحديد جذور المشكلة كعظمة السمكة وأداة لماذا؟ لماذا؟ وغيرها من الأدوات.
ولضمان نجاح هذه المنهجية يجب أن تحظى بدعم مطلق من قبل الإدارة العليا  وأن يشرك في تنفيذها جميع العاملين بالمؤسسة ، ويجب أن تأخذ وقتها بحيث تتم في موجات متعاقبة، فالتحسين يجب أن يكون مستمراً إذ لا حدود لإبداعات الإنسان، كما أن هذه المنهجية لا يجب أن يلجأ إليها في فترة الأزمات كما هو الحال في الظروف التي تطبق فيها سياسات التقشف.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك