ماذا نريد من وزارة التربية؟

 

علي بن سالم كفيتان

وزارة التربية والتعليم تشرف على قرابة نصف مليون من أبنائنا الذين نحلم لهم بمستقبل مشرق وزاهر. إنّ هذا الكم الهائل من الأدمغة التي يتم تشكيلها في مدارس السلطنة من حواضر مدنها إلى قراها وأصقاعها البعيدة هم من يعول عليهم الوطن وهم من يخطط لمستقبلهم ضمن الاستراتيجيات والرؤى الوطنية على سبيل المثال استراتيجية 2040 التي واجهت نقدا لاذعاً وتساؤلات مشروعة حول مصير استراتيجية 2020 وما تم تحقيقه منها وخاصة في الجانب التعليمي ورغم التعاطف العميق مع هذه التساؤلات التي يستند كثير منها للمناخ العام المليء بالإحباط فلا زلنا نرى نورا على الدرب لا يجب إطفاء جذوته. 

الجميع في الصباح الباكر ينصرف إلى أعماله اليومية بينما تجوب الأحياء باصات المدارس لتجمع فلذات أكبادنا وتأخذهم إلى المباني التي فتحت أبوابها لتعليم وتربية هذا الكم الهائل من الأجيال المتعاقبة من مختلف المراحل السنية فينصرف عنهم الجميع ويتركهم لوزارة التربية والتعليم وطواقمها الإدارية والأكاديمية حتى بعد منتصف النهار تعود الحافلات محملة بكامل طاقتها الاستيعابية إلى البيوت منها ما هو برتقالي جميل وعليه علامات السلامة المرورية ومنها ما هو هالك لا يكاد يمشي بينما السائقون انهكتهم الدروب وكثرة الرؤوس المنتظرة أو المغادرة على كل النواصي فاستعانوا بأصدقاء (أبناء السائقين وأقاربهم) الذين يجيدون فن السرعة والتخفي بل واختلاق الأسباب فتجد ذلك الصغير ينتظر لساعات طوال ثم يعود منكسراً إلى بيته فيحصل على توبيخ الأهل ويوصف بالمهمل لأنّه لم يستطع اللحاق بالحافلة العتيدة وسائقها المتهور.

ماذا نريد من نصف مليون آدمي أن يصبحوا؟ هذا هو التساؤل الذي يجب أن نجيب عليه بكل شفافية فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنّ الجهات المشرفة على الأمن الوطني تطلب إنسانا مدججا بالوطنية من رأسه إلى أخمص قدميه، وهنا نعيد التساؤل هل بذلت التربية جزءًا من موازناتها الضخمة لبلوغ هذا الهدف؟ أم أنّ الأمر لا يعدو تلاوة النشيد الوطني كل صباح في الطابور ومن ثمّ تقوم بصرف جل اهتمامها ومواردها للملاحقة والتجريم، ومن هنا يمكنا القول إنّ وزارة التربية والتعليم لا يمكنها تربية جيل حريص على الثوابت الوطنية دون دعم أو مساندة الجهات المختصة ولا يمكن وصف المخرجات إذا ما أصبحت عالة على المجتمع بأنّها نتاج وزارة التربية والتعليم. إنّ التنشئة الوطنية السليمة تستوجب مناهج جديدة وتتطلب تأهيل الطواقم التعليمية لزرع القيم الوطنية وفق رؤي عصرية.

الحمل الثقيل الذي يقع على كاهل هذه الوزارة يجب أن يكون هو الهم الوطني الأول إذا ما أردنا التمهيد لمجتمع سوي ومنتج يكون له الإسهام الفاعل في الفضاء الإنساني على هذا الكوكب، فقد خطط قائد البلاد - حفظه الله ورعاه- ومنذ الخطوات الأولى للتعليم أن يكون هو قطب الرحى، ووعاء التنمية، والهدف الأسمى الذي تسعى له الدولة، إلا أنّ النظرة لم تواكب الطموح الذي وضعه جلالته وخاصةً في آخر ثلاثة عقود بعد أن تمّ تبني فكرة التعليم الأساسي وتوابعه ومن ثم تفاجأنا بالمخرجات التي تصطف على النواصي لا تجيد المهارات الأساسية للحياة وعندها الاستعداد للخروج إلى ما بعد الإطار وازعاج السلطات التي رأت في يوم ما بأنّ هذا هو اختصاص وزارة التربية والتعليم ولكنّها اليوم تصرف مبالغ طائلة للملاحقة والضبط والمتابعة.

مطلوب من هذه الوزارة أن تهيئ للمجتمع أطباء ومهندسين ومهنيين ومفكرين... إلخ، وفق موازنة مالية يرها الكثيرون بأنّها ضخمة لكنّها لا تتعدى إنشاء المدارس الجديدة وصيانة القائم منها، وطبع الكتب الدراسية، وتمويل أسطول نقل الطلاب، والباقي هو رواتب الهيئات الإدارية والتدريسية بينما نجد صانع الإنسان وهو المعلم يأخذ أجرا لا يتناسب مطلقاً مع سمو هذه المهنة التي منوط بها صناعة الانسان العُماني، فهل من الممكن أن نتوقع من الشخص المُحبَط مردودًا جيدًا أو كاملا غير منقوص؟

الأدهى والأمر أن تجد ترقيات المعلمين وعلاواتهم في آخر سلم الاهتمامات.

يجب أن يقتنع المشرفون على الشؤون المالية والأمنية بأنّ المعلم هو الحلقة الأهم في هذا الوطن، والمعلمون هم باب الاستقرار، ومنفذ الرفاه الاجتماعي المنشود.