التعليم العالي وتحدياته

 

ماهر بن أحمد البحراني

 

يعد التعليم أساس تقدم الشعوب والمجتمعات بكافة أطيافها، ولا يمكن أن نعرف تقدم وحضارة أي شعب من شعوب العالم بدون معرفة اهتمام هذه الشعوب بالتعليم، حيث إن أي تنمية يكون أساسها التعليم، والإنسان هو أساس أي تنمية، ولا يمكن تنمية الإنسان إلا بالتعليم الجيد، ومما لاشك فيه أن التعليم يلعب دوراً محورياً وهاماً في تكوين شخصية الفرد والمجتمع، حيث إن التعليم هو الذي يخرج أفرادا متخصصين ومؤهلين للعمل في جميع ميادين الحياة، مما يعود على الدولة والمجتمع بالنفع والفائدة، إضافة إلى العائد المادي الذي يسمح للأفراد بحياة كريمة.

فثروة أي دولة لا تقتصر على موارده الطبيعية فقط، ولكنها تتعدى في ذلك لتشتمل أيضا الموارد البشرية، وهي العامل الفعال في استثمار الموارد الطبيعية، فكثيراً من الدول النامية غنية بمواردها الطبيعية، لكنها عاجزة عن تحقيق التنمية الاقتصادية، والتي لا تتحقق بمجرد وجود العناصر الطبيعية فقط، بل لابد من وجود الموارد البشرية اللازمة لاستغلال هذه العناصر واستثمارها، ويبقى الإنسان هو محور ومبتغى كل تنمية.

ويعتبر التعليم دعامة عملية تنمية الإنسان، والتعليم ليست سلعة تستورد أو آلة تستخدم، وينظر للتعليم على أنه معنى بشكل رئيسي بهذه التنمية وأدواتها، لأن من ركائز هذا التعليم التعلم من أجل المعرفة والعمل بمستوى عال من الكفاءة، ومن هنا تبرز أهمية تطويره وتجويده، لذلك فإنّ التعليم يعتبر الرصيد الإستراتيجي لأي دولة، فمن خلاله تتحقق حاجاتها التنموية المستقبلية.

وقد أكد كثير من الاقتصاديين أهمية التعليم في إكساب الأفراد القدرات والمهارات اللازمة، وأن الأموال التي تنفق على تعليمهم وتأهيلهم تعتبر استثماراً لهم وللدولة حيث إنهم جزء من ثروة الدولة والمجتمع، وأن أفضل استثمار على الإطلاق هو الاستثمار في الإنسان، حيث إن رأس المال البشري هو المحرك الأساسي لتنمية أي مجتمع، لذا أصبح التعليم بكافة أنواعه ومراحله ضرورة اقتصادية واجتماعية.

لذا يعد الاستثمار في التعليم استثماراً مفيداً بشكل كبير، في تنمية رأس المال البشري وداعمة مهمة للاقتصاد الوطني، والاستثمار فيه حتماً سيكون استثماراً يعود بالنفع على المدى البعيد، لتطوير رأس المال البشري.

إنّ معظم دول العالم تواجه اليوم تحديات عدة لم تعهدها من قبل وقد أثرت على نظام التعليم وضمنها التعليم العالي ومؤسساته ومن تلك التحديات نذكر منها على سبيل المثال: تحديات لها صلة بالعامل الديموغرافي وأخرى لها علاقة بالجودة والخصخصة والتمويل الذي يعد بحق أهم هذه التحديات لما يتطلبه النهوض بقطاع التعليم العالي وتطويره من موارد مالية كافية، وتختلف حدة هذه التحديات من دولة إلى أخرى وفقاً لظروفها وإمكانياتها وأولوياتها.

يعدّ موضوع التمويل من أعقد المشكلات التي يواجهها التعليم العالي وأكثرها إثارة للجدل، وهذه القضية مطروحة في جميع دول العالم لأسباب عدّة، أوّلها: ارتفاع تكاليف التعليم العالي في ضوء تزايد الاهتمام بالجودة، وثانيها: الفرق الكبير بين تطلّع المجتمعات المتزايد للحصول على المعارف والمهارات وبين ما هو متاح من موارد مالية لدى المؤسّسات التعليميّة، وثالثها: تزايد الإنفاق على البحث العلمي والتجديد.

وتبيّن اتجاهات النموّ الديموغرافي أنّ الضغط الكميّ على التعليم العالي سيزداد ارتفاعا خلال السنوات المقبلة، في المقابل يبرز حجم الموازنات المالية المخصّصة للتعليم العالي بالنسبة إلى النفقات العامّة للدولة صعوبة تخصيص موارد عامّة إضافية لفائدة التعليم في ضوء التراجع الاقتصادي السائد في عدد من دول المنطقة وخاصّة بالبلدان متوسّطة أو محدودة الدخل. من هنا جاء البحث عن ترشيد النفقات المخصّصة للتعليم لتفادي الهدر المالي والبحث عن موارد بديلة أو عن حلول تعليمية مبتكرة تقلّص من المصروفات.

 والواقع أنّ هناك اتّجاهان متناقضان حول تمويل التعليم العالي، حيث إن الاتّجاه الأوّل يدعو إلى الرفع من حصّة التعليم في موازنات الدولة وبالتالي الزيادة في النسبة المئوية للتعليم من الناتج الوطني الخامّ، باعتبار توسّع فئة الشباب وتزايد التطلع إلى الالتحاق بالتعليم العالي، واتّجاه ثان يرى لزوم ترشيد النفقات وحوكمة التمويل لأنّ الموارد مهما زادت ستظلّ محدودة. ومن هنا لا بدّ من النظر في المسائل المتعلّقة بفعالية التمويل وكفايته، وهاتان مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بمسائل البنية والحوكمة.

وتمر مؤسسات التعليم العالي بتحديات كبيرة في سعيها لتوفير التمويل اللازم لإدارة شؤونها وتقديم التعليم الجيد لطلابها، ويرجع هذا التحدي إلى عوامل عديدة منها:

  • الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي وزيادة أعداد الطلاب الراغبين في الالتحاق.
  • عدم قدرة بعض الدول على توفير التمويل اللازم لمواجهة الزيادة المضطردة في أعداد الطلاب الراغبين بالالتحاق بالتعليم العالي.
  • الرغبة في ترشيد الإنفاق وإنفاق الأموال في جهات أكثر حاجة.
  • الدعوة إلى دور أكبر للقطاع الخاص للمشاركة في تحمل جزء من المسؤولية في تمويل التعليم العالي.
  • مناشدة المجتمع بالعمل على تحديد المسؤوليات والمصداقية والشفافية في توجيه الأموال العامة.

إنّ هذه العوامل المذكورة وغيرها كان لها دور في تغيير رؤية نظام التعليم العالي ورسالته، وأدت إلى إحداث نقلة في آليات تمويل التعليم العالي.

وتعتبر المشاركة في تمويل التعليم العالي في الوقت الراهن ظاهرة عالمية، حيث يبدو أن هناك تحولاً في الاعتماد الكلي على الحكومة إلى مساهمة الطلاب وأولياء الأمور في تمويل تكاليف التعليم العالي، هذا بالإضافة إلى التبرعات المقدمة من الجهات والأفراد للمشاركة في تمويل بعض تكاليف التعليم العالي.

لذا تتعدد مصادر تمويل التعليم العالي في الدول المتقدمة، حيث إنها لا تعتمد على مصدر واحد وهو الحكومة لتمويل التعليم العالي، حيث عملت على استحداث الكثير من المصادر من أجل المحافظة على مصادر دائمة ومتجددة وكافية لتمويل التعليم العالي ومن ضمنها ربط مؤسسات التعليم العالي باحتياجات قطاعات الإنتاج في الدولة، وفرض الرسوم الدراسية، وتكوين صناديق الاستثمار، واستحداث الوقف الخيري، وجعل مؤسسات التعليم العالي مؤسسات منتجة تقدم خدمات للمجتمع مقابل رسوم تساهم في تنويع مصادر دخل هذه المؤسسات.

تعليق عبر الفيس بوك