خمسة أيام في عمان (1)

 

يوسف عوض العازمي

عندما يبدأ الكاتب (أي كاتب) كتابة أي مقال أو تقرير أو دراسة أو بحث، تتداعى أمام خاطره عدة متداعيات ومترابطات من المفردات والألفاظ المراد كتابتها، هناك مفردات دارجة ومطلوبة لإتمام الكتابة، وهي مفردات أساسية لا فرار منها، وبعد كتابة هذه المفردات واستخدامها بالصياغة العامة للمقال المراد كتابته، يبدأ بعدها الكاتب بإضافة مفردات التزيين، على طريقة تزيين الطبخة بعدة مكسرات أو فاكهة بعد إتمامها، وهي طريقة يلجأ لها الكتاب أصحاب الحس الأدبي في كتاباتهم، إذ إن الكثير يعتبر كتابة المقال بمثابة كتابة  "قطعة أدبية".

تراءت لي المفردات الدارجة ومفردات التزيين قبل وأثناء كتابة هذا المقال المتواضع، ثم وجدت نفسي أمام مقال لا يُمكن إلا أن يكون كاملا" متكاملا" لأنه مقال تاريخي له وزنه بين المقالات لعدة أسباب منها :

  • أنه لزائر كويتي يتحدث عن عُمان .
  • أنه أول مقال لي في جريدة الرؤية الغراء .
  • إن عمان أكبر من مقال ومن كاتب .

لذلك كان العبء ثقيلا" عند بداية الكتابة عن بلاد الحلوى الأصيلة واللبان، والتاريخ العريق المتوارث عبر الأجيال، فمن أين أبدأ هل أبدأ بسرد تاريخي منذ نشأة اليعاربة أم أتوقف فقط عند التاريخ المعاصر، ولأنه مقال وليس كتاب، فسأكتب انطباعات حول الزيارة الحافلة لهذا البلد المفعم بالتاريخ وعراقته .. عندما وطئت الطائرة العمانية مطار مسقط الدولي، ومنذ النزول من الطائرة لاحظت حداثة المطار وفخامته، والحركة الميسرة للمسافر، حتى وصوله مكان الخروج، من سلالم متحركة إلى ممرات كهربائية حديثة، تيسر حركة المسافر ولاتكلفه جهدا" يذكر، تختصر له المشوار في شكل متطور في إدارة المطارات، حيث الانطباع الرائع عن هذا المطار الجديد .

في اليوم الثاني كانت نزوى هي العنوان، ومسفاة العبريين هي خاتمة العنوان، كان الوصول إلى العاصمة القديمة لهذه البلد المعطاءه ظهرا"، ولاحظت مجسما" وضع في مكان بارز يدل على الاحتفاء بنزوى كعاصمة للثقافة الإسلامية ..

كانت زيارة إلى التاريخ وأبوابه وفصوله الممتدة، عبر شرح مميز من بنات البلد وهن مرشدات عمانيات، أعطى عملهن في التعامل السلس مع السياح فكرة طيبة عن الفتاة العمانية، التي تستحق الثقة وتقدم أداء عمليا رائعا، تقوم به في بلد لا يرتكز في أعماله على الأبناء فقط، بل هناك دور ملموس للمرأة العمانية أخت الرجال في بناء وقيادة البلد ..

بعد زيارة زاخرة في نزوى اتجهت برفقة الصديق أبي ناصر وهو كويتي يعمل في السلطنة بأحد المشروعات المشتركة بين الكويت وعمان، وهو يفخر بوجوده وعمله بصحبة زملائه العمانيين، حيث وصلنا إلى مسفاة العبريين وهي قريبة من نزوى، وكان بالاستقبال الصديق المعتمد العبري أبو مقداد وهو شاب عماني كريم أخذنا إلى جولة داخل المسفاة القديمة، وكان يملك معلومات ثرية حولها، وتجوبنا بين الأفلاج المائية، المبنية وفق هندسة بدائية لكنها مؤدية للمطلوب، ولفت نظرنا فوق الجبل أبراج النجوم، وهي المستخدمة لتوقيت توزيع مياه الأفلاج بين المواطنين أصحاب المزارع، وعلمنا بأنها دقيقة في حسبة النجوم، وتوزيع الوقت لمرور المياه بين الأفلاج لكل مزارع بحسب حساب النجم !

أثناء الجولة وجدنا نزلا فندقيا داخل الجبل كان في الأساس منزلا" لأحد المواطنين حوله إلى فندق صغير، وعلمت أن كثيرا من السياح يقصدونه، بل إن الحجز يكون عبر الإنترنت (أونلاين)، وبعدها وفي أحد جوانب الجبل استقبلنا الأخ عبدالله بن زاهر العبري واستضافنا استضافة كريمة لتناول القهوة، بعد مغادرة المكان، توقفنا عند مسجد لأداء الصلاة ورأيت سمة التسامح واللاطائفية التي تسود المجتمع العماني في مساجدهم وفي حياتهم العادية.

بعد الصلاة تناولنا القهوة عند الرجل الكبير والد أبي مقداد. وكان مجلسه يحفل بحسن الترحاب وكان أيضا يحفل بالصور التاريخية لجلالة السلطان منذ كان عمره شهور إلى الوقت الحالي وهو ما يظهر تلاحم وحب الشعب بمختلف الأجيال لقيادة هذا البلد الطيب أرضه والطيبون أهله.

بعد يوم نزوى والمسفاة، كان اليوم التالي حافلا "بزيارة جامع السلطان قابوس الأكبر، حيث العمارة الإسلامية المتطورة والبهو الواسع الكبير، والردهات الكثيرة المليئة بالسياح المبهورين بهذا المعمار العريق ..

وللمقال بقية ..

 

تعليق عبر الفيس بوك