عمان 2040.. عوامل نجاح أية رؤية مستقبلية (1)

مرتضى بن حسن بن علي

 

تابعت كما تابع الكثيرون، مؤتمر الرؤية المُستقبلية "عمان 2040"، ومن خلال مُتابعتي لما سمعته من الحاضرين في قاعة المؤتمر أو ما تمَّ تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي، فإنَّ الكثير من التساؤلات كانت تدور حول مدى إمكانية تحقيق أهداف ومؤشرات الرؤية، والتي يرى البعض أنها طموحة جداً وربما بعضها يتسم بالعمومية، تلك التساؤلات تعكس نوعًا من الشكوك بسبب ما يعتقد البعض من عدم قدرتنا على تنفيذ ما خطط سابقا، ابتداءً من الخطة الخمسية الأولى ١٩٧٦-١٩٨٠ ومرورا بوثيقة "عمان ٢٠٢٠" ووصولا إلى الخطة الخمسية التاسعة ٢٠١٦ -٢٠٢٠.

عدم الإنجاز الدقيق لما خطط له ولا سيما في مجال تنويع مصادر الدخل أو التعليم، وكذلك ما يتعلق بالجانب النوعي من الأهداف الأخرى، خلق نوعًا من الشعور بـ "عدم الثقة" بين ما يُعلن وما ينفذ على أرض الواقع، كل ذلك لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار، بسبب الحاجة إلى التعاون والتكاتف من وبين الجهات المختلفة، الأهلية منها والحكومية في مرحلة التطبيق الفعلي لأهداف الرؤية.

بعد تحديد الأهداف، لابد من وضع إستراتيجيات وسياسات وخطط واضحة، كل واحدة تدفع بالأخرى من أجل الوصول إلى الأهداف المُعلنة، وتحديد الأهداف والإستراتيجيات والخُطط والسياسات ليس عملاً سهلاً، كما أنها ليست من أعمال الترف الفكري، بل هي عمل ذهني وفكري ونظري بداية، يتطلب بذل جهود كبيرة من جهات عديدة، والتي تمتلك خبرات مختلفة لعدة جوانب من المشكلة التي يراد التوصل إلى حلول لها، إضافة إلى ضرورة توفير جميع الإمكانات البشرية والمادية والتشريعية اللازمة. 

الهدف هو الوصول إلى غايات ونتائج محددة ومطلوبة في وقت محدد، وهو سوف يبقى مجرد حلم إذا لم نتمكن من تحويله إلى واقع عملي، وهو ينقسم إلى قسمين: الكمي والنوعي، وتوضع لكلاهما مقاييس للقياس محددة وواضحة، وبعد ذلك توضع الإستراتيجيات والسياسات والخطط.

الإستراتيجية هي التوجه العام المصمم بعمل المؤسسة للوصول إلى الأهداف، أي فن التخطيط وإدارة الموارد المتاحة بأقصى درجات الفعالية للوصول إلى النتائج  المتوخاة، أما السياسات فهي مجموعة من المبادئ والتوجهات العملية التي تحكم خط سير المؤسسة وأدائها متضمنة آليات اتخاذ القرارات، أما الخطط  فهي الإجراءات التنفيذية المحددة أو مجموع العمليات المنظمة التي يجب اتخاذها في تسلسل واضح، أي المراحل التفصيلية التي توضح أسلوب إتمام الأعمال وكيفية تنفيذها ومسؤولية  الجهات المختلفة لتنفيذها والفترة الزمنية اللازمة لكل عمل.

 

لذا فإنَّ إدارة أية سياسة تنموية لتحقيق الرؤى المستقبلية تتطلب ما يلي:

  1. أن تكون هناك أهداف عامة مرغوب فيها ومطلوب تحقيقها، وتكون هذه الرغبة وهذا الطلب موضع اقتناع وإجماع من جميع وحدات السلطة التنفيذية وأغلبية وطنية، مقتنعة بها، أو يجري إقناعها، لكي تصبح كل الأطراف على استعداد للعمل من أجلها والبذل في سبيلها وتحمل الآثار الجانبية المصاحبة.
  2. أن يكون الهدف واضحا ومحددا، لأنه ليس أخطر في السياسة من الرؤى الغائمة والحركات التي لا ترى لنفسها مقصداً واضحاً تركز عليه بصرها باستمرار.
  3. أن يكون لهذا الهدف إمكانية فعلية أو مضمونة أو على الأقل محتملة بنسبة عالية تسمح بتحقيقه، فليس هناك فائدة من أهداف مهما كانت واضحة ومحددة إذا كانت الوسائل والأدوات الضرورية لنيلها ليست موجودة وليست محتملة أو غارقة في الشكليات والعموميات.  
  4. أن تتكفل الحياة العامة بأن تعطي لإدارتها أصلح وأنضج العناصر المهيئة لتحمل المسؤولية، وطنية كانت أو دولية مشهودة، بما يوفر درجة معقولة من الكفاءة يحقق للهدف حدا مأمونا ومضمونا من فرص النجاح. 
  5. من الضروري أن يتم التعبير عن أي هدف من أهداف الرؤية، بمقادير كمية ونوعية قابلة للمتابعة والتحقق من قبل جهات رقابية كفؤة ومستقلة ويكون من حقها الرقابة على إدارة العملية التنفيذية في مجملها، ومراقبة أية صعوبات أو انحرافات قد تحصل. 

إضافة إلى كل ذلك فإنَّ إيقاع الزمن الذي نعيشه داع يسبق غيره من الدواعي التي تفرض الحذر في أي تناول لمدة طويلة، كان هذا صعباً في كل الأزمنة، وهو بالتأكيد أشد صعوبة في هذا القرن الذي على وشك الدخول إلى عقده الثالث، حيث السباق على أشده في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، وفي الأفكار وانتشارها، وفي العوالم واتصالها، وفي العادات والتقاليد وتبدلها، وفي الاحتياجات وتنوعها وفِي المهارات المطلوبة وتغيرها، والأجدى أن يكون النظر إلى خمسة سنوات أو عقد على الأكثر لأن أكثر من ذلك صعب.

وإذا نظرنا إلى مجال واحد فقط وهو مجال المواصلات والاتصالات والتكنولوجيا وما طرأ عليه من معدلات التراكم في السنوات الأخيرة، لرأينا صورة باهرة لحركة التغيير، فإذا وضعنا معدلات التراكم وتأثيراتها المتغيرة في كل النواحي، لأدركنا صعوبة استطلاع المستقبل بعد حدود معينة بقدر كاف من الثقة وشبه اليقين. والأهداف والإستراتيجيات والسياسات والخطط تكون في حوار مستمر مع الأحداث والأطراف والزمن.