كيف ظهرت البنوك الإسلامية؟

جمال النوفلي

 

في عام ٢٠٠٧ احتفلت ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية بمرور أربعين عاما على اختراع الة الصراف الالي (ATM)، وكان هناك شخص يدعى جون شبرد تم تكريمه كضيف شرف في هذه الاحتفالية، والسبب في تكريمه هو أنه الشخص الذي اخترع هذه الآلة المالية العجيبة، توفي هذا الرجل لاحقا في عام ٢٠١٠ عن عمر يناهز ٨٤، لا أدري كيف كان شكل آلة الصراف في بداية اختراعه لها، إلا أن بعض المصادر تقول أن جون هذا هو ليس أول من اختراع آلة الصراف الآلي بل قبله كان شخص يدعى لوثر جورج سيميجيان قرر أن يغير ويطور من طريقة الصيرفة في البنوك فاخترع هذه الآلة، وقد تم استخدامها من قبل بنك سيتي بنك في نيويورك، لكن لم يقم أحد باستخدامها لأن الناس كانوا يخشون التعامل ماليا مع أجهزة ميكانيكية قد تخطئ وقد تتعطل لذلك بقيت مهملة حتى تم الاستغناء عنها بعد ستة أشهر من تشغيلها، كان ذلك في عام ١٩٣٩، لا تذكر المصادر كثيرا عن لوثر جورج سيمجان كثيرا وربما لا يذكره أحد، ولكنها تتحدث عن الإنجليزي جون شبرد لأن جون هو أيضا قدم آلة الصراف كاختراع مبتكر دون أن يكون لديه أي علم أو معرفة باختراع الأمريكي، وهو أي جون من بقيت فكرته واختراعه حتى اليوم، وتعود قصته إلى أنه كان يلاحظ معاناة الناس من عدم تمكنهم من إجراء المعاملات المالية أيام العطل الأسبوعية وبعد ساعات العمل الرسمية للبنوك، لهذا انقدحت في ذهنه هذه الفكرة، فذهب بها فورا إلى رئيس بنك باركليز (Barclays bank) ويبدو أن جون كان موظفا في هذا البنك فأخبر رئيس البنك عن الفكرة وفورا أعجب الرئيس بها وعرض على جون أن يحولها إلى آلة أي يصنعها بنفسه، وأنه سوف يشتريها فور انتهائه منها، كان ذلك في عام ١٩٦٧، وحسب قراءتي الخاصة فإن جون هذا كان يعمل كمدرب للإداريين في بنك باركليز وأن الفكرة انقدحت في ذهنه عندما رأى ماكينة لبيع الشكولاتة في السوق، فتبادر إليه أنه إن كان بإمكان مكينة الشوكولاتة استقبال النقود وإخراج الشكولاتة فلا شك أنه يمكنها أيضا أن تستقبل النقود وتخرج النقود، وبهذا الفكرة صنع الجهاز وتم تدشينه لاحقا في أحد أفرع البنك في شمال لندن وكان أول شخص يسحب مبلغا من الآلة هو الممثل الإنجليزي ريج فارني Reg Varney على مشهد ومرأى عشرات القنوات التلفزيونية المهتمة بأخبار النجم السينمائي.

طبعا ليس هذا موضوع حديثنا في المقال، وإنما هو فقط من باب ضرب مثال لكيفية صناعة التاريخ، فالتاريخ هو أيضا من علوم الغيب لأننا نتعلمه من خلال المصادر المتوفرة حولنا لكننا غير متقنين من مدى صحة ومصداقية هذه المصادر، لهذا على المرء أن يتخذ من الشك أسلوبا له في التعامل مع المعارف، وأن لا يأخذ المسائل التاريخية على محمل الجد، وفي مصادر تاريخ المالية الإسلامية يضيع الباحث فيها فلا لا يقدر أن يجزم في أي دولة بدأ تطبيق المالية الإسلامية، فهناك من يقول إنّها ابتدأت في السودان كمؤسسات لتمويل المشاريع الزراعية للفلاحين والمزارعين دون الحصول على فائدة في الخمسينيات من القرن الماضي، ويرى البعض أنّها ابتدأت في مصر سنة ١٩٦٣ وتحديدا في صعيد مصر بمحافظة الدقهلية وكانت عبارة عن بنك ادخار لكنه لم يكتب له الاستمرار بسبب الأوضاع السياسية، ويرى آخرون بأنها ابتدأت في باكستان سنة ١٩٥٠ كمحاولة لتحويل البنوك التجارية إلى إسلامية لكنها أيضا لم تنجح، بينما يرى آخرون أنّ ماليزيا هي من بدأ فيها العمل بالصيرفة الإسلامية عام ١٩٤٠ حيث أنشئت فيها صناديق للادخار بدون فائدة.

أمّا بالنسبة للخليج ففيه تعتبر البداية الحقيقية للمؤسسات المالية الاسلامية والتي جاءت بعد دراسات ومشاركات واجتماعات دولية ومحلية التي خرج منها قرار في عام ١٩٧٥ بافتتاح بنك دبي الإسلامي في إمارة دبي وبنك التنمية الإسلامي في جدة بمنتجات وصيغ تمويلية حديثة، وظلت هذا البنوك صامدة حتى اليوم على خلاف غيرها من التجارب، لهذا أعتبر أنّ عام ١٩٧٥ هو البداية الحقيقية للمؤسسات المالية الإسلامية، وقد يتساءل البعض  عن كيف كان يتعامل الناس قبل وجود هذه البنوك الإسلامية والمؤسسات المالية وكيف كان يتعايش الناس فيما بينهم وهم يتعاملون كليا من خلال بنوك ربوية محرمة طيلة عشرات الأعوام، والجواب أنّهم كانوا يتعاملون فعلا بالبنوك الربوية المحرمة لكن الوضع لم يكن شديد التأزم في التحريم كما هو الآن لعدم وجود خيارات أخرى آنذاك بالنسبة للأثرياء سوى أن يتركوا أموالهم في مخازنهم الخاصة عرضة للتلف أو السرقة أو اختلال الأسعار، كان يقال مثلا للمتعامل مع البنوك: تعامل معهم لكن لا تأخذ الفائدة التي تمنح إياها، وإن حصلت عليها تبرع بها في أوجه البر، أو تعامل معها لكن لا تأخذ منها قرضا وإن أخذت منها قرضا فاحرص ألا تتطعم منه زوجتك وأبناءك وألا تذهب به في عمرة أو حج، طبعا كان يتحتم أن يكون الوضع كذاك حتى ظهرت البنوك الإسلامية في بعض الدول فتم رفع من وتيرة الخطاب الديني العام وإرسال فتاوى التكفير والتجريم والتفسيق للمتعاملين بالربا للاستفادة من تحويل الأموال والثروات إلى تلك الدول. وهو ما دعا الدول الغربية إلى تبني البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية كوجهة ومقصد للراغبين في المعاملات الإسلامية.

أمّا في عمان فقد بدأت المالية الإسلامية عام ٢٠٠٨ عندما ابتكر بنك مسقط وهو أكبر بنك في عمان آنذاك تمويلا سكنيا متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية اسمه الهلال وكانت تجربة ناجحة لحاجة الناس الماسة إلى وجود منتج إسلامي لا سيما أنّ التدين في تلك الفترة كان قد بلغ درجة عالية من التشدد في المجتمع العماني، (سوف ننشر حوارا خاصا حول جهود بنك مسقط في تطبيق الصيرفة الإسلامية في وقت لاحق)، وفي عام ٢٠١٢ تكرم حضرة صاحب الجلالة السلطان  قابوس المعظم بإصدار المرسوم السلطاني رقم ٦٩/٢٠١٢ الذي سمح فيه بالتعامل وافتتاح المصارف الإسلامية في السلطنة وتلاه إنشاء بنك نزوى وبنك العز ثم نوافذ اليسر من بنك عمان العربي وميثاق من بنك مسقط والهلال من البنك الأهلي وميسرة من بنك ظفار ومزن في البنك الوطني العماني وصحار الإسلامي من بنك صحار.

تعليق عبر الفيس بوك