عُمان التي نريد

 

 

حمد بن سالم العلوي

 

لا يهمنا كثيراً الكلام عن تطور عُمان، والرؤى المُستقبلية التي تنسج لغدها البعيد، يهمنا ما ينجز على الأرض، وأن يكون بخطوات ثابتة ومتينة وواقعية، وأن يُجري ذلك على أسس مدروسة، ويُبنى عليها مستقبل واعد للأجيال القادمة، بحيث تتقدم عُمان في كل المجالات، وبخطوات واضحة المعالم لا لبس فيها ولا غموض، وأن توضح الأهداف العامة، وتصبح واضحة لمُعظم المواطنين، وليس فقط للخاصة من موظفي بعض الجهات الحكومية، وبذلك سيشعر المواطن أنه هو المستهدف من خطط التنمية، وليس مجرد شيء يجري في الأخبار، ولكنه شيء غير محسوس ولا يُمكن قياسه على أرض الواقع.

لقد مرت الخطة "2000- 2020" وما عرف المواطن "رأسها من كريسها"، لأنها كانت فقط في معلوم النُخبة، لذلك لم نعرف ما أنجز منها وما لم ينجز، وهذا شيء من حقنا أن ننكر وجوده أصلاً، لأنه ببساطة حُدثنا عن خطة مجهولة فلا عرفنا معالمها، ولا حتى أطرها العامة، وقد ظل من أمدها أقل من عامين وما زلنا نجهل ما هيتها، إلا إذا كان منها رفع مهول في رسوم الخدمات، ورفع قيمة الوقود، ووقف الترقيات والعلاوات، والتهديد بالمزيد من الضرائب والرسوم، فهناك أنواع جديدة من الضرائب يُقال عنها، فلا نحن كمواطنين سبق لنا معرفتها أو السماع بها، ولا حتى هم أي أعضاء الحكومة سمعوا بها من قبل، لأننا كلنا نشأنا وترعرعنا معاً وفي بيئة واحدة، إلا إذا كانت الوظيفة زادتهم بسطة في العلم من وراء ظهورنا، وقد يكون من ضمنها أيضاً أن ترفض محامية ارتداء الحجاب أمام هيئة المحكمة، فينبري صحفي للدفاع عنها في مقالة طويلة عريضة، سأختصر رأيي بكلمة "عيب".

إنَّ الشيء الذي نعرفه جيداً، ألا خطط تعد ذات معنى وأهداف واضحة، إلا إذا أعدها خبراء أجانب، ويعجز المسؤول عن فهمها وتطبيقها كما ينبغي، إذن؛ الشيء الذي نعرفه نحن، أن الكثير من الأمور تُدار بالأزمة، أي عندما تحدث الأزمة وتفرض واقعها علينا، نقوم نحن نعمل كردة فعل لها وهكذا دواليك، فما من أزمة مرَّت علينا، فكانت لها خطط في الأدراج جاهزة للتنفيذ، وأزماتنا التي مرَّت على البلاد أغلبها اقتصادية، وقد نبَّه إليها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله وأبقاه - منذ توليه مقاليد الأمور في البلاد عام 1970، وظل ينبه إليها في خطابات رسمية متكررة، وفي لقاءاته أثناء الجولات السامية التي يجوب فيها جلالته- أعزه الله- البلاد طولاً وعرضاً، ومع ذلك يظل المسؤول غير مسؤول، فمن المسؤول يا تُرى؟!!

أقول هذا الكلام ونحن نكثر الحديث هذه الأيام عن رؤية جديدة، أطلق عليها "رؤية 2040" هل يا ترى أصبحنا أكثر وعياً في هذه المرحلة من عمر النهضة العمانية التي بدأت قبل خمسين عاماً تقريباً؟ يفترض أن تكون الإجابة بنعم، إذن؛ هل سنرى أسلوباً أفضل في طرح أهداف رؤية 2040؟ شخصياً لا أعرف حتى أرى شرحاً ولو مُختصراً عمَّا ستنجزه على أرض الواقع حتى ولو بشكل تدريجي، وحقيقة يتوجب على المجلس الأعلى للتخطيط أن يتولى إدارة هذه الرؤية، وأن يطلع المواطنين على كنهها، لأنها حتماً وجدت لخدمتهم، وأن هناك أدواراً على المواطنين، فيتوجب عليهم القيام بها، وإلا كيف ينبغي مني كمواطن، أن أقوم بدور لا أعرف أهدافه وحدوده، إذن؛ على الحكومة أن تكون أكثر قرباً من المواطن، وأكثر وضوحاً وشفافية معه، لأنه وكما قال جلالة السلطان المفدى إنه محور التنمية ومركزها، لأنَّ كل هذه الجهود تقوم من أجل أن ترتقي عُمان وتسمو بأمجادها التليدة، والدولة تقوم على ركائز أساسية من أهمها ركيزة الشعب.

إذن؛ لا يُلام المرء إن هو طالب ببعض الوضوح في الأخذ والرد معه، وعندئذ سيكون هذا المواطن شريكاً بالرأي، وفي نفس الوقت يتوجب عليه أن يكون شريكاً في التنفيذ، وحتى لا يتفاجأ بحدوث ظواهر تطرأ بمرور الوقت، وبطبيعة الحال ليس مطلوب جمع المواطنين في المجمعات الرياضية على شأن يشرح لهم الذي يجري أو الذي سيجري في المستقبل، فعُمان تعرف أنها أم النظام وسيدته، فلديها على سبيل المثال مجلس الشورى ومجلس الدولة، فأعضاء هذين المجلسين من المواطنين بل ومشايخ البلاد وأعيانها، وهناك مكاتب الولاة والمجالس البلدية، وشيوخ القبائل والرشداء، وكل هؤلاء يمثلون منظومة مترابطة تخدم المواطن والدولة معاً، ومن خلالهم يتم الحوار وتناقل وجهات النَّظر، وكذلك وسائل الإعلام المُختلفة، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، بوسعها أن تلعب دوراً مهماً في نقل المعلومات، فليس كل وسائل التواصل تلعب دوراً سلبياً كما يحلو للبعض القول، ففي ظل وجود الثقة المتبادلة بين الجميع، وضمن استغلال المستوى الثقافي العالي الذي بلغه المواطن العُماني، أصبحت هذه الخدمة مفيدة وسريعة، خاصة في سرعة التصويب بالحقائق لبعض المغالطات المغرضة.

إنَّ الغد الذي نرجوه لعُمان المستقبل، هو غد واعد ويبشر بالخير، فلا تجعلوه عتمة لا يرى منه إلا الجانب المظلم، وبذلك تعزل الحكومة نفسها عن المواطن، لا لشيء وإنما اتباعاً لتقليد قد عفا عليه الزمن، وتخوف ليس في مكانه الصحيح، وتفويض موظف الحكومة لنفسه أن يكون ولياً لأمر المواطن، ومفكراً نيابة عنه ومتصرفاً أيضاً باسمه، وهذا المواطن بصحة تامة، وعقل راجح راشد، ومستوى ثقافي وتعليمي لا يقل درجة عن الموظف، بل على العكس من ذلك عندما يُشرك الموظف أخيه المواطن في القرار، سيجد عضدا قويا معه، يشاركه بقوة في تحمل المسؤولية، ونظراً للفهم السائد لدى الموظف أنه هو الآمر الناهي، علينا أن نسهب في التوضيح، وذلك حتى لا يظن أن المطلوب أن يتدخل أحد في تخصص وظيفته الرسمية، وحتى لا يقول إذن على المواطن أن يأتي ليجلس على الكرسي بدلاً مني وطبعاً ليس هذا المقصود.

إذن المقصود تبادل المشاعر في المسؤولية، أي أن تعلم أن الذي أتى إلى مكتبك هو إنسان طالب خدمة محقة، وأنت أيها الموظف الكريم، قد تحتاج لنفس الخدمة من جهة أخرى لا سلطة لك فيها، فهل ستذهب تطلب خدمة مقابل خدمة؟ أم أنك تحب أن تذهب لأي مكان وتحصل على الخدمة التي تريد دون مقابل مماثل؟ إذن عندما نهتم بتبسيط هذه الجزئيات الصغيرة، سيكون كذلك الأمر بالنسبة للإستراتيجيات الأكبر حجماً أمرا سهلاً، والمهم أن يكون الهدف هو خدمة عُمان والرقي بها في كافة المجالات، وأن نتبادل اليقين والشعور بمحبة بعضنا بعض في وطن عاش على التصالح والتعاضد فيما بينه، ومع الآخرين كذلك، وأن نظل نُحافظ على القيم والأصالة العُمانية، وألا نسمح للحداثة أن تجرف قيمنا الأصيلة، والضوابط الاجتماعية العُمانية التي تميزنا.