17 شابًا سيفقدون وظائفهم قريبا

 

د. عبد الله باحجاج

العدد الذي سيفقد وظيفتهم قريبا 17 شابا، ما هو إلا مؤشر يفتح لنا قضية العقود المُؤقتة التي تتبناها الجهات الحكومية لتوظيف شباب عمانيين لمدة عام قابلة للتجديد لعام أو تظل مؤقتة إلى آجال مفتوحة حسب أمزجة القائمين على المؤسسات الحكومية، لذلك يُمكن اعتبار كل شاب يتوظف بعقد مؤقت باحثاً عن عمل مع وقف التنفيذ لمدة عام أو لمدد لنوايا لا يعلمها إلا الله جل في علاه، وهذه القضية نطرحها اليوم بعد أن تعرضنا لها بصورة عارضة، وفيها مُعاناة سيكولوجية "نفسية" واجتماعية آنية وأخرى مُتوسطة المدى، ومفتوحة السيناريوهات، مع تعددها.

سنفتحها من منظورين؛ الأول: العقود المؤقتة وانعكاساتها الاجتماعية واعتباراتها القانونية وآفاقها الأمنية، والثاني: البناء القانوني لطبيعة عمل العقود المؤقتة لسبعة عشر شابًا، بمعنى هل هو في ماهيته- أي العمل- ذي صبغة مؤقتة أم دائمة حتى يندرج ضمن العقود المؤقتة المحددة الأجل الزمني؟ وهنا نحاول انتفاء الصبغة المؤقتة لطبيعة عمل هؤلاء الشباب، لن ندخل في معمعة مدى قانونية العقود المُؤقتة، ولا عدم وجود ضمانات قانونية لمرحلة ما بعد الانتهاء من العقد المؤقت، وإنما سنحاول أن نركز بصورة أدق على القضية من منظوريها سالفي الذكر مع دمج المنظورين في رؤية تحليلية متكاملة ومترابطة وفق قاعدة النظرية "العقود المؤقتة" وتطبيقاتها المتمثلة هنا في 17 شابا. ففي النوع الأول، فإنَّ العقود المؤقتة تؤسس لحالة عدم الاستقرار لكل من يشتغل بعقد مؤقت، وتعطي للإحصائيات الرسمية للتوظيف عدم الدقة، وبالتالي تعقد من صعوبة القرارات المُتعلقة بالباحثين عن عمل، فمن يشتغل بعقد مؤقت مدته عام، سيخرج من قائمة الباحثين، لكنه في الواقع، لم يخرج منها سوى مؤقتًا، لأنه سيعود إليها مجددا بعد الانتهاء من المدة الزمنية للعقد، وهنا يظهر لنا جزءًا من الإشكالية المعقدة لقضية الباحثين عن عمل وهي تتجلى في مشهد الأعداد الكبيرة للباحثين عن عمل، تخرج من القائمة وتعود إليها، وهذا يعني أننا لا ينبغي أن نعتبر أصحاب العقود المؤقتة خارج قائمة الباحثين عن عمل، ونقترح أن ننشى فئة ثالثة، وهي فئة أصحاب العقود المؤقتة لا تنسحب مع فئة الباحثين عن عمل، ولا تحسب مع فئة الموظفين الدائمين، حتى نضع صانع القرار أمام تشخيص الواقع كما يجب، للزوم تبني سياسات أكثر دقة.

أما بالنسبة للنوع الثاني، فإنَّ إشكاليته يُمكن حصرها في التساؤلات التالية: هل فعلاً طبيعة العمل الذي توظف عليه 17 شاباً في المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يحمل في مضامينه الصفة المؤقتة حتى يدرج قانوناً ضمن العقود المؤقتة؟ الإجابة على هذا التساؤل، تقتضي معرفة طبيعة العمل، وعملهم يقوم على أساس حصر وإدخال بيانات السائحين، وهذه المهمة تحمل صفة الديمومة وليس الموسمية على اعتبار أنَّ حركة السياحة في بلادنا طوال السنة، تتعاظم في فصل الخريف، ويستمر انتعاشها في فصل الشتاء، وبالتالي، تنتفي الصفة المؤقتة في مثل هذه الوظائف، ولا ينطبق المسمى على طبيعة العمل، وقد أحسن المشرع العماني عندما عرف العقد المؤقت بأنَّه "العمل الذي تقتضي طبيعة إنجازه وإنهائه مدة زمنية محددة"، وهذا يعني أن أعمال الحصر وإدخال البيانات تخرج قانونًا من صفة العقود المؤقتة لتدخل في صفة العقود الدائمة، فبالتالي، فإنِّه كان ينبغي تثبيتهم كأولوية عاجلة بعد أن كسبوا خبرة مهارة، ويمكن الاستدلال كذلك على الطبيعة الدائمة لمثل هذه الأعمال، توجه الدولة لاعتبار قطاع السياحة ضمن القطاعات الخمس البديلة لقطاع النفط، وهذه حجة قوية تدعم مطلب تثبيتهم وليس العكس، وإذا كان هناك الإصرار على التخلي عنهم، فإنَّ المسألة الملحة الآن، تكمن حول مصيرهم بعد ثلاثة أيام تقريبًا؟ المرحلة التي يستدعيها هذا التساؤل، يفترض أن تكون لدى جهات التوظيف رؤية واضحة بشأنها؛ إذ لا يمكن قذفهم هكذا في قائمة الباحثين عن عمل دون ضمانات بديلة وفورية.

والتقينا بالصدفة بشاب منهم يبلغ من العمر 28 عامًا ووجدناه في حالة قلق مرتفع من عودته لقافلة الباحثين عن عمل، وعن حالة الفراغ التي سيدخلها بعد أن كان يشغلها بعمله في مطار صلالة كمدخل بيانات. وهنا ينبغي أن نتفهم ونستوعب هذا القلق، فبعد أن كان يتلقى هذا الشاب راتباً أكثر من 600 ريال عماني، أصبح الآن بلا راتب وبلا وظيفة تشغل وقته، وقد دخل حلمه بالزواج في المجهول في ظل حالته العمرية المُرتفعة على سن الزواج محليًا، والمشكلة الكبرى، لو كان من بين هؤلاء الـ17 من يُعيل أسرة أو عليه التزامات مالية، ومن المؤكد أنَّ هؤلاء الشباب قياساً بحالة هذا الشاب في حالة إحباط من مصيرهم المقبل بعد أن يتخلى عنهم المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.

المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تم إنشاؤه بالمرسوم السلطاني رقم 31/2012، وهو تابع للمجلس الأعلى للتخطيط، وهو أحد مصادر المعلومات لتطوير الاقتصاد الوطني واستدامة التنمية، ومن المعلوم بالضرورة أنَّ التنمية البشرية هي جزء أصيل من هذه التنمية المستدامة، من هنا كان ينبغي أن يتم التخطيط لهؤلاء الشباب ضمن رؤية الاستدامة- أي العقود الدائمة وليس المؤقتة - وفقًا لمجموع الدواعي سالفة الذكر، وليس استمراراً لتأسيس حالات عدم الاستقرار الوظيفي والاجتماعي لفئة الشباب، من هنا، ندعو إلى الانتصار للرؤية المستدامة من قبل هذه الجهات المعنية بالتخطيط والتنفيذ للاستدامات الشاملة في بلادنا، وقضية تبني العقود المؤقتة من قبلها تمس جوهر ما أنشئت من أجله، فكيف بعد ما أوضحنا من صفة دائمة لطبيعة وظائف 17 شاباً سينتهي عقدهم المؤقت نهاية الأسبوع الحالي؟

وأخيرًا.. ولدواعي المعرفة نتساءل، كم عدد المواطنين الذين يشتغلون على عقود مؤقتة داخل وطنهم في القطاعات الحكومية والعمومية والخاصة؟ من يعنيه هذا الملف المفتوح عليه لزامًا أن يتعمق في هذه المسائل المهمة حتى تكون لديه رؤية متكاملة بكل التغييرات الاجتماعية الناجمة عن السياسات والقوانين ... لكن من المعني بهذه الملفات؟