"عُمان أولاً".. صناعة الضمير الوطني

 

مسعود الحمداني

 

"عُمان أولاً".. ليس شعارا يُرفع، ولا صوتاً يهتف، ولا مزايدة تعلو، إنِّها عُمان الإمبراطورية العظيمة، والبلد الراسخ في العلم وفي الزمن، تاريخٌ لا ينتهي، وأزمنة من الحرب والسلام، وطنٌ قام ليدوم، ويمرض أحياناً ولكن لا يموت، يقوم من الرماد كالعنقاء، ويُقاوم الشيخوخة والعجز، يرفض الخنوع والاستسلام، يمد يده للجميع بالحب، ولا يركع إلا لربّ العالمين.

هذا البلد العظيم، يحتاج إلى أكثر من مُجرد الحديث العابر، والشعارات التي تتغنّى بالوطنية، إنه يحتاج إلى الرجال الأوفياء، الغيورين على سمعته وكرامته، يحتاج إلى سواعد أبنائه وعقولهم، يحتاج إلى المخلصين الذين يبنون ولا يهدمون، ويعمّرون ولا يُخربون، ويسعون لعزته وسموّه ولا يتخاذلون عن نصرته، يحتاج إلى مسؤولين مواطنين ووطنيين يقرأون المستقبل، ولا ينسون الماضي، يصنعون المعجزات، ولا يقفون كثيرا على الأطلال، يكسرون الفساد، ويتعلّمون من الآخرين سيئاتهم وحسناتهم، يبحثون عن التجارب الناجحة من دول لم تكن شيئاً ذات يوم، وها هي في عقود قليلة أضحت أعلاماً في الازدهار، وحكايات من النجاح، خذ مثالا سنغافورة واليابان، واقرأوا قصة رواندا القصيرة لتعرفوا كيف يُمكن لدولٍ متخلفة أن تقفز إلى السماء، تعرّفوا على الدول التي أصبحت دروسا في الهمّة الوطنية، والنجاح الشامل، ومكافحة كل أشكال التخلّف والرجعية.

بنى السلطان المفدّى- أطال الله عمره- منذ تولي مقاليد الحكم شخصية الإنسان العُماني المحب للسلام، الوسطيّ، المعتدل، الملتزم بسلوكيات الحضارة والمدنيّة، المعتز بوطنه، والذي أصبح مثالاً للكثير من الشعوب، ولكن لدينا مشاكل في الداخل يجب الاعتراف بوجودها أولاً، والعمل على حلّها ثانيًا، وقبل ذلك علينا "هيكلة" الضمير الوطنيّ، وتعظيم دور المحاسبة الذاتية، وتغيير سلوك الأخذ دون عطاء، وكبح جماح الجشع الذي يهلك الأوطان، ويبيد الثروات، ويخلق في النفوس الحقد، والشعور بالمواطنة الناقصة، وعلى البعض أن يتوقف عن التعامل مع الوطن ككعكة، أو بقرة حلوب له ولأحفاده، وحكراً عليه دون غيره، فهذه العقليات لا تصنع وطنًا، ولا تبني مستقبلاً، وعلينا أن نفعّل التشريعات التي تحارب الفساد الإداري والمالي، وأن نعمل على بتر جذور التطرف الفكري أيّا كان مصدره.

لا تجعلوا الوطن حقل تجارب لخطط فرديّة، لا رقابة عليها، إن نجحت كان بها، وإن لم تنجح جرّبنا غيرها، حتى وإن كانت الخسارة فادحة، فهذه العشوائية التي تطل برأسها بين فينة وأخرى يجب أن تنتهي، ولا تصفقوا وتطبّلوا لكل فاسد أو مشروع فاشل، لأنَّ ذلك يعتبر هدرا للمال العام، وللوقت الذي لا ينتظر المتأخرين، فعمان الغالية أغلى من كل شيء، وأعظم من كل متملّق ومتسلّق، لذلك علينا مد النظر إلى ما بعد السحاب، وأن نسخّر الطاقات والموارد البشرية والمادية للبناء، وأن نرسم خريطة المستقبل بوضوح أكثر، وقبل كل ذلك علينا الإيمان بقدراتنا ومواردنا وطاقاتنا، وأن نضع شعار "عُمان أولا" نصب أعيننا، حتى نصل إلى الضفة الأخرى من العالم، وحتى تتوقف تلك الأفواه الجوفاء التي تأتي من الخارج لتتحدث عن السلطنة وكأنها عالة على غيرها، وتمنّ عليها بما لا تملكه هي. وعلينا- قبل كل ذلك- أن نجعل الكرامة الوطنية نهجا، ودرسا نطبّقه في كل مناهج سياساتنا، نحفظ به هيبة الدولة، ونكسب من خلاله رهان الوطن، وولاء المواطن، وسباق المستقبل.