القناعة والطموح والفرق بينهما؟!

رحمة بنت صالح الهدابية

تراود الكثير من الناس أسئلة حول مفهوم القناعة والطموح؟ وهل بإمكان أي واحد منا بأن يصبح إنسانا قنوعا وفي الوقت نفسه أن يكون إنسانا طموحا؟ وكيف السبيل إلى التوفيق بينهما إذا كانا مصطلحين مختلفين عن بعضهما البعض؟ وما هي الفوائد والثمار الوافرة التي سيجنيها المرء في قدرته على الجمع بين هذين المفهومين؟

في البداية لابد من توضيح مبسط لمفهوم القناعة والطموح؛ ليسهل علينا بعدها تحليل الإشكالية التي وقع فيها الكثير وهي خلطهم لهذين المفهومين وعدم قدرتهم على الموازنة والمواءمة بينهما لتندرج على إثره العديد من النتائج والآثار السلبية التي تسببت في خور وكسل البعض عن الجد والاجتهاد والسعي والمثابرة في تحقيق ما يبتغونه من إنجازات كبيرة ونجاحات مختلفة

فالقناعة هي القبول والرضا ولكنه ليس بالمعنى الذي فهمته الغالبية الساحقة من الناس بأن تزهد في الدنيا لا تحاول ولا تجرب فعل أي شي حيال ما تريد تحقيقه من عيش كريم وحياة هانئة

ففي القناعة أنت تبذل الأسباب وتسعى وتجتهد لتحقيق ما تريد إنجازه مع قبولك واستمتاعك بحياتك وأشيائك الموجودة في حاضرك، وتحرص على التخطيط المستمر في تحسين وضعك لتكون بالشكل والتصور الذي تريده مع عدم السخط أو الإصابة باليأس والإحباط عند تعثرك في تحقيق ما تريد لقول الشاعر في ذلك:

على المرء أن يسعى إلى الخير جهده ** وليس عليه أن تتم المطالب

 

أما عن الطموح فهو عبارة عن وجود رغبة جامحة في داخل الإنسان تدفعه بكل عزيمة وإصرار لتحقيق ما يريد إنجازه من أحلام وأهداف متنوعة.

لنستنج منهما بأن القناعة صمام أمان ومكملا أساسيا لمواصلة مشوار تحقيق أحلامك وأهدافك لأن بها يستطيع الإنسان أن يصحح مساره ويعرف أخطائه التي وقع فيها ويختار بعد ذلك الوسائل والبدائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف بدون أن يحزن أو يكتئب ويفقد الرغبة في التجربة وتكرار المحاولة بطرق ووسائل شتى.

وفي المقابل الطموح هو المحرك والمحفز للإنسان للإرتقاء إلى سلم المجد والمعالي بخطى ثابتة فعندما تعيش بالقناعة بمفهومها الصحيح والطموح بمفهومه الصحيح أيضا  فأنت إنسان متزن تعرف كيف تدير حياتك وكيف تحصل على ما تريد بطرق صحيحة ومشروعة ولكن إذا ما حدث العكس وعاش الإنسان بالقناعة والطموح بمفهومها السائد فإن حياته لا محال ستتحول إلى حياة تعاسة ونكد لأنه لا يدري كيف يأخذ بالأسباب التي توصله إلى طريق الإنجاز والنجاح وستورثه علاوة على الخور والكسل بأن يصبح إنسانا جشعا وطماع دائم النظر بعين غير راضية وقنوعة للحصول على ما عند الآخرين باللجوء إلى طرق غير مشروعة كابتزازهم وتشوية سمعتهم وغيرها من الأساليب القذرة ليصل إلى ما يريد

فالقناعة والطموح عكسهما بالإضافة إلى الخور والكسل الجشع والطمع الذي نهتنا عنه الشريعة الإسلامية لذلك احرص دائما بأن تكون إنسانا طموحا بإمتلاك القناعة الصحيحة لتحصل على ما تريد بطرق مشروعة ترضىي بها ربك أولا ومن ثم ضميرك والناس ثانيا

وتذكر بأن هذه الدنيا دار تنافس ولو لم تكن كذلك لما تنافس فيها الصحابة الأوائل - رضوان الله عليهم جميعا - فيما بينهم كتنافس سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه في مواطن عدة ولا تاجر سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بأمواله ولا أصبح الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه من كبار التجار في المدينة المنورة بعدما وفد إليها ولا يوجد في جيبه دينارا واحدا.

فعش حياتك حياة وسطية واعتدال لا غلو فيها ولا تشدد موازنا فيها بين دينك ودنياك مصدقا لقوله تعالى: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ    "

 

تعليق عبر الفيس بوك