قصة قصيرة: الصورة


نبيه شعبو | سوريا

تحت ستارةٍ من الغيوم الداكنةِ تنسلُّ العتمةُ صوبَ أطرافِ النهار لتأسر ما تبقى لديهِ من ضياء... في تلك الأمسية الشتائية الباردةِ نهض  أبو عدنان وسط العتمة المتراكمة حوله.. أضاء المصباح... انتثر الضوء في أنحاء الغرفةِ فانكشف اتساعها ضمن حدود جدرانها المغبرّة وأثاثها المعتّق الذي لم يطرأ عليه أيُّ تغيير منذُ يومِ رحيلها.
الصمتُ الموحشُ يتقاطعُ مع خطوطِ ضوء المصباح على زجاج صورتها المعلقة فوق الجدارِ المقابل.... أحسَّ بتياراتٍ صاخبةٍ من الأفكار تتسرب عبر ثغرةٍ  في  جدار الصمت تتطاولُ على سكينتهِ, تمتزجُ بتياراتٍ من الهواء البارد, بينما لهيب المدفأةِ يتخامدُ وهو يتجرع آخر قطرةٍ من خزان وقودها.... انغمسَ تحت غطاء السرير وعيناه تلاحقان الطيف المنفلت من إطار الصورةِ كأنّه يخطو إليه.... تزاحمت  الأفكار .... أحسَّ بدقاتِ قلبهِ كأنّها صدى الصوت, صخرةٌ تتكسُّر تحت ضرباتِ مطرقةِ الفراقِ... حاولَ أن يبلع تلك الغصة العالقة في حنجرتهِ ليقصَّ لها حكايا العذابِ والوحدةِ الموحشةِ...
لقد مرَّ الأولادً من هنا... أخذوا حصتهم من ذكريات الحنان وعادوا إلى عائلاتهم وأولادهم..... ومرتِ السنون وأخذت حصتها من شقائك على دروب العمر ومضت...
أما أنا لم أكمل حكايتي معكِ بعد .... تراجع الطيف رويداً صوبَ مكمنهِ, بدت تجاعيدُ الوجهِ الناعمةِ كخيوط الفجرِ وصفاء العينين كمجرى ساقيةٍ في أواخرِ الربيع.... كلُّ شيءٍ فيه بدأ يتخامد وهو يمتطي صهوة الذكريات صوب مرافئ الزمن الذي خطَّ على صباحاتِ لياليه أجملَ لوحةٍ للحب والعطاءِ , وتقاسما معاً رغيفَ الأمنياتِ... وبحةَ صوتٍ لأغنيةٍ رددَاها معاً...
ورويداً تكاسلت عيناه في ارتحالٍ تحت ظلال النعاس  في غفوةٍ علها تبحر صوب حلم يحضرها في المنام.

 

تعليق عبر الفيس بوك