اللغة العربية تنعي نفسها (تخميس)


سليمان بن علي العَبري | سلطنة عُمان

على طُرُقِ الدنيا أهيمُ بذاتي
وأنشرُ آهاتي وطُولَ شِكاتي
ولمّا دنا حَيني، ولاح مماتي
رجعتُ لنفسي فاتّهمتُ حَصاتي
وناديتُ قومي فاحتسبتُ حياتي
//
هُمُ غيّبوني في متاهاتِ ألسُنِ
وشادُوا بِناءَ الغيرِ في هدمِ موطني
على هامشِ الدنيا رَمُوني كأنني
رَمُوني بعُقمٍ في الشبابِ وليتني
عقِمتُ فلم أجزعْ لقولِ عِداتي
//
مضيتُ وبحري دونَ صوتِ نوارسِ
وضيَّعتُ في أعماقِ بحري نفائسي
وفي رَحِمي ما زالَ كلُّ مُنافسِ
(ولدتُ ولمّا لم أجدْ لعرائسي
رجالاً وأكفاءً.. وأدتُ بناتي)
//
سعيتُ إلى بابِ الكريمِ هدايةً
وشمّرتُ عزمي كي يكونَ بدايةً
وكنتُ لكم في كل دربٍ وقايةً
(وسِعتُ كتابَ الله لفظاً وغايةً
وما ضِقتُ، عن آيٍ به وعظاتِ)
//
 أنا لغةُ القرآن.. رِقُّوا لحالتي
حَويتُ علومَ الارضِ من كلِّ مِلّةِ
معاجمُ أفكاري تشِعُّ بفطنتي
(فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةِ
وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعاتِ)
//
أنا البلبلُ الشادي.. أنا الحبُّ ساكنُ
وهل يُنكرُ الشمسَ المضيئةَ واهِنُ
بكلِّ جديدٍ أو قديمٍ أراهِنُ
(أنا البحرُ في أحشائه الدرُّ كامنُ
فهل سألوا الغواصَ عن صدفاتي)
//
 حروفي مفاتيحٌ لكلِّ مدائنِ
وهذا جَمالي، بينكُم، ومفَاتني
أكلُّكم ضِدِّي فأين خزائني
(فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني
ومنكم وإنْ عزَّ الدواءُ أُساتي)
//
حرامٌ على الأيامِ أبلى كأنني
بلا قيمةٍ أمضي.. على الريحِ مسْكني
على جُدُرِ الدنيا أسيرُ وأنحني
(فلا تكلوني للزمان، فإنني
أخاف عليكم أنْ تحين وفاتي)
//
ولا تتركوني أشربُ الهمَّ جُرعةً
فإني ورغم الحُزنِ أُشعلُ شمعةً
فكم نال أقوامٌ بذلك رفعةً
(أرى لرجال الغرب عزاً ومنعةً
وكم عزّ أقوامٌ بعز لغات)
//
لذاكَ أصابوا في الحياةِ تمدُّنا
 هناك تراهم بالتمدُّنِ أو هنا
فلم يُثنهم مثلُ الذي كان عندنا
(أتَوا أهلَهم بالمعجزاتِ تفننا
فيا ليتكم تأتون بالكلمات)
//
نُجدِّد عهداً كي تعودَ المواهبُ
نُعرِّبُ علما، والحياةُ تجاربُ
فليس لكم يا قومُ دوني مشاربُ
(أيُطربكم، من جانبِ الغرب ناعبُ
يُنادي بوأدي في ربيع حياتي)
 //
تعِبتُ من الإقصاءِ منكُم ومنهُمُ
ولولا كتابُ الله هِنتُ وهِنتمُ
مضيتُ وقلبي من بِعادٍ جهنمُ
(ولو تزجرون الطيرَ يوما عرفتمُ
بما تحته،من عثرةٍ وشتاتِ)
//
ملكتُ زمامَ الامرِ من قبلُ والسما
وكنتُ الملاذَ العذبَ، كنتُ لهم حِمى
حروفي بهم صارتْ مناراً وأنجما
(سقى اللهُ في بطنِ الجزيرة أعظما
يعزُّ عليها أنْ تلينَ قناتي)
//
تَلَوني على الدنيا كتاباً أقمتـُه
وفي قولهم عزي وفخري بلغتُه
فيا أعظماً مجدي بكم قد كتبتُه
(حفظن، ودادي في البلى وحفظتُه
لهن بقلبٍ دائم الحسراتِ)
//
بهنَّ علا نجمي، وسرتُ أحلِّقُ
وكنتُ إذا شرَّقتُ، فالكلُّ مشرقُ
على رفرفِ العلياءِ، حرفي موثَّقُ
(وفاخرتُ أهلَ الغربِ، والشرقُ مُطْرِقُ
حياءً بتلك الاعظُمِ النخرات)
//
تغيّرتِ الأحوالُ والهجرُ أطبقا
وصِرنا نؤم الغربَ بحثا عن الرُّقى
فلا صرفَ لا نحوٌ ولا شيءَ قد بقى
(أرى كلَّ يومٍ في الجرائدِ مزلقا
إلى القبر يُدنيني بغير أناةِ)
//
نعم قد أدار الغربُ ضدِّيَ هجمةً
وعَدّوا لغاتِ الغربِ للعُربِ حُجَّةً
وتنظر مِن هذا ومن ذاك فُرجةً
(وأسمع للكتّابِ في مصرَ ضجّةً
فأعلم أنّ الصائحين نُعاتي)
//
أيُعقل مجداً حزتُه اليوم يُهدمُ
ويهجرني بعد اللقاءاتِ مُغرمُ
وهل يَهجرُ الأحباب إلا المُحطّمُ
(أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ
إلى لغةٍ لم تتصل برواة)
//
لأنّ كلامَ الأعجميين قد جرى
على ساحتي فاحترتُ من هولِ ما جرى
أيهجرني العُربُ الكرامُ تنمُّرا
(سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى   
لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فـــُراتِ)
//
أمِن بعد ما سارتْ ركابي رفعةً
تُديرون كاساتِ الأعاجم جُرعةً
ذوت زهرةُ الأيامِ واحترتُ شِرْعةً
(فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعــة ً   
مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفــــــاتِ)
//
(إلى الله أشكو الحالَ.. والكلُّ غافِلُ
فما زلتُ في كل الجهاتِ أُنازلُ
أخاطبُ كلَّ العُربِ.. والخطبُ ماثلُ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِــلٌ   
بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِــي)
//
شرحتُ لهم.. فالهمُّ عني ما انجلى
وقلت لهم حال الجريضُ عن الملا
طريقانِ فاختاروا  لمثلي منزلا
(فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلــى    
وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتـــي)
//
فإما كما قد قلتُ عِزّاً أَعُدُّهُ
حياتي وأسعى أنْ أجدِّدَ عهدَهُ
على صافناتِ الفخرِ أُنبيكَ مجدَهُ
(وإمّا مَماتٌ لا قيامَـــة َبَعــدَهُ
 ممـاتٌ لَعَمْــرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ)
......................................
تخميس لقصيدة حافظ ابراهيم قدمت للأصبوحة الشعرية في مدرسة فاطمة بنت الزبير للتعليم الأساسي بولاية الحمراء بتاريخ ١٨ ديسمبر ٢٠١٧، وتم تكملة تخميس باقي الأبيات  بتاريخ ١٧ديسمبر ٢٠١٨م

 

تعليق عبر الفيس بوك