لها في شِغافِ الخافِقيْنِ مَضارِبُ


أبو نبراس البوصافي | مسقط

ذنوبِيَ في الدُّنْيا بحارٌ سـَواكِـــبُ
وأمْواجـُها كالطَّوْدِ فيها العَقــارِبُ

وقيعانـُها سوْداءُ كالـكُحْلِ بلْقــعٌ
معاذَ اللَّهِ في أحْيائِــها نَتلاعَــبُ

تهُبُّ عليْها الرِّيحُ سُمَّا لواقِحًا
وتلْفحُها في التَّائهينِ النَّوائبُ

وأشْواكُ أفْعــالي سِهــامٌ قــواتِلُ
كنـَـانتُها قد غزَّلتْها العَناكـــبُ

وكِيسِيَ مثْقوبُ المَحــاسِنِ إنَّهُ
ذَرارِي رَمادٍ في البَسيطةِ سائِبُ

وعنْديَ أطْنانٌ منَ الهَمِّ والأسَى
ورمْحِيَ مَصْدوءُ السِّنانِ مُعاقَبُ

وصاغَ ديُونَ الذلِّ سِيقانُ وَحْدتِي
فَلا أنا مسْكينٌ ولا أنا تائبُ

مَرايـَا سَوادٍ منْ عُيونِي تكَشَّفـتْ
فكيْفَ أرى الأضْواءَ كيْفَ التَّخاطُبُ

وكيْفَ يكونُ العزْمُ فيَّ مُجاهِدًا
وهذي حيَاتي والذُّنوبُ غَوالبُ

علَى جنَباتِ القبْرِ حرْفٌ وأسْطُرٌ
وثَمَّةَ ترْياقٌ منَ الذِّكْرِ شارِبُ

وحولِيَ منْ ريْبِ المَنُونِ رَسائلٌ
تخِرُّ لها منْ ثقْلهنَّ الكَواكبُ

ومَنْ همُّهُ الدُّنْيا فهذا مآلُهُ
لهُ في أتُونِ التِّيهِ خُبْزٌ وقارِبُ

ومَنْ همُّهُ الدُّنْيا فسوْفَ يبِيعُها
بأبْخسِ أثْمانِ الحياةِ يُطالِبُ

وإنْ أشْرقتْ يومًا لمرَءٍ حياتُهُ
فلا شكَّ في تلْكَ القبورِ الغَوارِبُ

أيُكْفَنُ ديْجورُ اللَّيالِي بليلةٍ
وتقْبرُهُ في الرَّاسياتِ الكَتائِبُ

ويفْقُسُ بيْضُ المكْرُماتِ توَاليًا
إذَا زانتِ الحسْناءُ زِيدَ المَطالبُ

أَلا ليْتَ شِعرِيَ هل أبيتُ وفي يدِي
كتابُ رجاءٍ للذنوبِ يُجانبُ

ومنْ حيثُ جاءتْ فالمهالكُ فجْرُها
وتلْكَ حياةُ المتْرفينَ ملاعِبُ

وحَوْلي رجالٌ منْ قريْشٍ وأسْلَمٍ
لهمْ موْطنٌ في عزَّةِ المرْءِ ضارِبُ

أيُعقَلُ يومًا أنْ نموتَ على هوًى
وأرْضُ جنانِ اللهِ فينَا تُحارِبُ

وفِي كلِّ صبْحٍ نسْتفيقُ لعلَّنا
نذوقُ رشادًا أو عذاباً نُقارِبُ

تمُرُّ بنا اللَّحَظاتُ سرْعَى كأنَّما
لهنَّ سباقٌ في الخَميلةِ لاهِبُ

عشِقْنا ملذَّاتِ الحياةِ جميعَها
لها في شِغافِ الخافِقيْنِ مَضارِبُ

فهيَّا ذنوبي قدْ كثُرْتِ فغادري
ولا ترْتدي جسْمي فإنِّي لَآيِبُ

وكالطَّيْرِ لُفِّي في جناحِكِ علَّتِي
وضمِّي سوادًا قدْ كفاني التَّصاحُبُ

وكالبَحْرِ مُجِّي لي السَّعادةَ أيْنَما
حللْتُ وعافَتْ منْ حِمايَ المَصائبُ

وهذَا رجائي أنْ أعودَ مكرَّمًا
سعيداً على بابِ الجنانِ أُطالبُ

هناكَ جُموعُ المتَّقينَ تكدَّستْ
ثيابُهمُ الاسْتبْرقُ المُتَجاذِبُ

تحفُّهمُ الأنْوارُ في كلِّ مطْلعٍ
كأنهمُ الشَّمسُ التِي تَتَعاقبُ

لهمْ مبْسَمٌ في جنَّةِ الخُلْدِ رائعٌ
تَغارُ لهُ حورُ العُيونِ الكَواعِبُ

وصلِّ إلهي عدَّ ما تابَ مسلمٌ
وعادَ إليْكَ الأوَّلونَ النَّجائِبُ

على أحْمدَ المخْتارِ بدْرِ سَمائِنا
وجنَّةِ إيمانٍ إليْها المَذاهبُ

وبارِكْ إلهي في قصَائدِ يونُسٍ
فأنتَ الكمالُ الأبْلَجيُّ المُغالِبُ

 

تعليق عبر الفيس بوك