الجنونُ عرَّابُ الحُبِّ


ريتا الحكيم | سوريا

مازلتُ أحبو على مدامعِ الوقتِ، ألعقُ ملحَ دموعهِ؛ فيرتفعُ ضغطُ الفرحِ ويغرقُ في الكوما
مع ذلك ألومُ نفسي أنَّني أطرقُ أبوابَ قلبكَ؛ فلا أسمعُ سوى صريرِ الأقفالِ.
أركنُ قافيتي الهرمةِ على الجدرانِ
وأدَّعي أنَّني أكتبُ لكَ شِعرًا
وتلك المرأةُ الصَّامتةُ تتلصَّصُ على أوراقي
//

يؤلمُني بريقُ عينَيها
يؤلمُني أنها لن تحظى بفرصةٍ أُخرى
لتتآمرَ مع خيباتي في أن أغدوَ امرأةً تُزيحُ عن كاهلِ العتمةِ أسرارَها.
الضَّوءُ خدعةٌ
العتمةُ حقيقةٌ دامغةٌ لا لَبسَ فيها
الشُّروقُ..
الغروبُ..
وما بينهُما حكايةُ سوادٍ لا تنتهي
أنتَ..
وأنا..
وكلُّ ما يمتُّ لنا بِصِلةٍ
روائحُنا المُحتجزَةُ في خزائنِ الليلِ
الأرقُ الذي يدخِّنُ النَّومَ على وسائدِ الكوابيسِ
ويرمي الأعقابَ على مفارشِ الأحلامِ
//

تتدحرجُ الحماقاتُ على حبالِ أصواتِنا المبحوحةِ
تتلكَّأ إلى أن تسمعَ صُراخَنا يملأُ فضاءَ المنطقِ ويسدُّ جوعَهُ بهفواتٍ ارتكبناها عمدًا
قلتُ لكَ مرارًا إنَّ الجنونَ عرَّابُ الحُبِّ
والمنطقَ قبرٌ له
لم تصدِّقني إلَّا حين ماتَ القلبُ
في صدرِ الرِّوايةِ
//

الحياةُ قطارٌ عتيقٌ يسيرُ إلى حتفهِ
كذلكَ أنتَ..
كذلك أنا..
أنا امرأةٌ تطويها المسافاتُ..
تكوي جُرحَها بالذِّكرياتِ
تكتبُ على ظهرِ الوقتِ
تفاصيلَهاَ الصغيرةَ
وأنتَ رَجُلٌ يهوى العناوينَ الكبيرةَ
//

منذُ آخرِ موتٍ لي وأنا أتعثَّرُ بكَ
على خطٍ بيانيٍّ رسمناهُ على جَسَدَيْنا
لنضرمَ في صمتِنا ثورةَ الكلمةِ
وحين حطَّتِ الحربُ أوزارَها على خطوطِنا المُنحنِيةِ
وَقَفنا ببلاهةٍ نتفرَّجُ على طفلينِ يشبهانِنا..
يلهوانِ بينَ الخرابِ
ويريانِ وجهَيهِما لأوَّلِ مرَّةٍ في مرآةِ النِّسيانِ
//

النِّسيانُ ذريعةٌ لا يستهانُ بها لِمَنْ أرادَ أن يُطهِّرَ ذاكرتَهُ
مِنَ الشَّوائِبِ والعوالقِ.
الكتابةُ قطنٌ معقَّمٌ نمسحُ بهِ جُرحَ الذَّاكرةِ
ونضِّمدُهُ ببياضِ الورقِ
يبقى الورقُ ناصعًا
إلى أن يَكيدَ لهُ السَّوادُ ويتغلغلَ فيهِ
لينتصرَ على كلِّ الألوانِ.

 

تعليق عبر الفيس بوك