هل هناك اقتصاد إسلامي؟!

جمال النوفلي

هذه النَّافذة الصحفية القصيرة خصصت لكي أعرض فيها مواضيع مترفقة عن الاقتصاد الإسلامي وعن الصيرفة الإسلامية خاصة ـ وذلك لحاجة المُجتمعات العربية عامة والعُمانية خاصة إلى هذا النوع من المقالات والمواضيع كوننا قد ولجنا متأخرين جدًا إلى هذا السوق إن صحت تسميته بالسوق أو إلى هذه الوجهة من التعاملات المالية المُميزة، فحقيقة الأمر، إن شئنا أن نُعطي الأشياء مُسمياتها الحقيقية، فإنِّه ليس هناك ما يُمكن تسميته بالاقتصاد الإسلامي أو المعاملات الإسلامية، لأنَّ الإسلام في حد ذاته لم يأتِ لخلق مُعاملات خاصة به أو إنشاء نظرية اقتصادية خاصة به يُمكن أن يشتغل عليها النظام العالمي أو نظام أي دولة في الوقت الحالي.

فالأنظمة السائدة الآن هي إما أنظمة رأسمالية وهي الغالبة أو أنظمة اشتراكية أو مُختلطة حتى الدول التي تدعي أنَّها ملتزمة كلياً بالاقتصاد الإسلامي فهي لا تخرج عن إحدى تلكما المنظومتين، على الرغم من أن معظم الناس قد قرأوا أو سمعوا عن الكتب والمقالات والأبحاث التي تتحدث عن نظريات ومبادئ الاقتصاد الإسلامي، لكنها جميعًا  لا تتعدى كونها محاولات لتأطير وتجميع لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في القرآن الكريم من توجيهات وإرشادات تتعلق بالتعاملات المالية في فترة النبوة، أي أنَّها جاءت لأجل مُعاملات مالية كانت تمارس آنذاك أو لأجل مناسبات ووقائع حدثت بالفعل في الفترة التي نزل فيها الوحي أو ورد فيها الحديث النبوي.

لكن تلك الأدلة من آيات وأحاديث نبوية لم يأتِ أي منها مكوناً لمُعاملة مالية جديدة أو نظرية اقتصادية ما، بل إن الحقيقة التي لا يُمكن أن يجادل فيها أحد هي أن التعاملات المالية موجودة منذ آلاف السنين وموجودة بوجود المجتمع الإنساني، أي أنها من ضروريات الاجتماع الإنساني، فالبيع والدين والقرض والسلم والمزارعة والمساقاة والإجارة والرهن وغيرها من المُعاملات هي معروفة لدى النَّاس في مختلف البلدان وفي مختلف الحضارات، حتى الربا نفسه كان معروفاً ومتعاملا به قبل وبعد نزول الإسلام.. إذن ماذا قدم الإسلام أو ماذا غيَّر وبدل حتى يُقال بأن له نظرية خاصة به واقتصاد خاص به؟

جاء النبي صلى الله عليه وسلم في القرن السادس الميلادي في شبه الجزيرة العربية؛ حيث كانت هذه المنظقة تحفل بمزيج من الأديان والأعراق والثقافات المتقاربة والتي تجمعها الأنظمة البدوية العربية الإنسانية البسيطة والتي بنيت على مبادئ إنسانية بحتة كالكرم واحترام الجار وعدم إيذاء الغير ونبذ الظلم وحرمة القتل وحرمة أموال الناس وحرية التعبد وحرية التجارة والتعاملات المالية طالما أنَّ الأطراف متفقون ومتراضون عليها، وحين جاء النبي الكريم فإنِّه لم يخرج عن ثلاث؛ إما أنه لم يعترض على كثير من تلك المعاملات وأقرها، أو اعترض على قليل منها ومنعها، أو أنه عدل في بعض التعاملات. وحديثنا هنا عن الجانب التجاري والمالي المتعامل به وليس عن الأخلاق والمبادئ الأخرى التي هي ليست موضوع حديثنا. وهذا ما يُؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه: "إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق".

والواقع أنَّ تلك الأعمال التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام وقتها من إقرار أو تغيير أو منع لم تكن جميعها تعبيرا عن الوحي الإلهي، بمعنى أنها لم تأت جميعها كأوامر من الله عزّ وجلّ إلى النبي لكي يحرم أمرا ما أو يبيح آخر، وإنما في بعض الأحيان كانت اجتهادات نبوية، فيبادر الصحابة إلى إعطائه المشورة من أجل تصحيحها أو الرجوع عنها؛ وهناك روايات وأحاديث وردت في ذلك. وهذا الموضوع طبعاً فيه خلاف كبير بين المفكرين والعلماء وليس غاية موضوعنا.

الأمر الذي أريد أن أصل إليه هو أن كثيرا من المعاملات والمبادئ التي وضعت اليوم في الاقتصاد الإسلامي هي مما كان يمارسه النبي وأصحابه من بعده كما كان يمارسها سائر الناس قبلهم، وأن ما جاء به الإسلام من تحريم للربا مثلا وأكل أموال الغير والسرقة والغش هي مما كان محرماً ومنبوذًا في جميع الأديان ولدى جميع الناس، ربما اليهود هم الوحيدون الذين يبيحون التعامل بالربا مع غير اليهودي. وهذا بالنسبة لليهود أمر عادي ومستساغ، فنحن أيضاً نستسيغ أن يبيح المسلمون لأنفسهم فرض ضرائب (جزية) وسلوكيات خاصة على غيرهم من الديانات من أهل الذمة لمجرد اختلافهم في الدين.

يجب أن أنوه هنا إلى أنَّ تقديمي هذا لسلسلة المقالات التي سأتعرض فيها لمبادئ ومعاملات المالية الإسلامية، لا أريد منه انتقاصا من ديننا الإسلامي الحنيف أو طعنا في بعض جوانبه، كما قد يترآى للبعض ذلك، حاشا لله، بل هي مقالات توضيحية وتعريفية بفضل الإسلام علينا كدين رباني أولاً، ثم فضله على العالم كمؤطر ومطور لكثير من المعاملات والأساليب التمويلية والأفكار الاقتصادية التي استقت منها كثير من الحضارات والأمم عبر مئات السنين وحتى اليوم. ومع كل هذا الفضل يجب عليَّ أن أقر وأعترف بتعاضد الأمم والحضارات وعبقرية الإنسان ودوره الفاعل في إيجاد هذه المعاملات والنظريات الاقتصادية والسياسية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من حضارة متماسكة ومتعاونة من الشرق إلى الغرب.

تعليق عبر الفيس بوك