عُمان وسوريا والعرب والحكمة عالية القدر

 

حمد بن سالم العلوي

 

لا أعتقد أنّ هناك من فخر يعتز به الإنسان العُماني ويفخر به أكبر من فخره بسياسة وطنه "عُمان" فيكفي اعتزازاً لأي مواطن أن يقف يعدد المواقف الصائبة التي وقفتها بلاده، وتخبط فيها كل العرب، وعُمان لا تقرأ الغيب وهي تتمسك بمواقفها التي يجمع كل العرب على خطئها حين إعلانها، ولكنّها فقط أعلنت أنّها لن تتدخل في شأن غيرها، وترفض قبول ذلك على نفسها ونقطة على السطر، وهنا مكمن السر الذي لا يفقه كثيرون ولن يفقهوه مطلقا، وإن كان بعض الصبية لا يتذكرون مواقفها في سبعينيات القرن الماضي من مصر، فيومها لم يكتف العرب بالعتب على عُمان وسلطانها، وإنّما هددوا بقلب نظام الحكم، لدرجة أنّ فريق كرة القدم العُماني في كأس الخليج في بغداد، كانوا ينقلون في سيّارات مصفحة لحمايتهم من بطش الناس بأعضاء الفريق، نتيجة كثرة الشحن السلبي ضد عُمان، لموقفها من مصر معللة ذلك على أنّ واجبها الدعم، وليس التدخل في الشأن الخاص بالآخرين وإن كانوا عرباً.

ومرّت الأيام وأتت أزمة العراق وإيران، واصطف معظم العرب مع العراق ضد إيران، وصفت سوريا مع إيران ضد العراق، نتيجة خلافات عقائدية بين طرفي حزب البعث، وقد كثر الهرج والمرج في المواقف، أمّا عُمان وقفت على الحياد واعتبرت أنّ المشكلة مصيبة حلّت بالأمة الإسلاميّة والمنطقة، وأنّها ستعود بالأثر السلبي على المنطقة جميعها، ولا من مستفيد إلا إسرائيل والدول المصدرة للسلاح، وهذا بالفعل الذي صار، وما إن توقفت الحرب العراقية الإيرانية، وما كادت عُمان تلقي بثقلها السياسي وتجمع المتخاصمين في مسقط، بهدف تسوية الأزمة بالطرق السياسية، حتى تفاجئنا بغزو العراق للكويت، فيقفز العرب في اصطفاف مضاد ضد العراق مع الكويت، وهذا الأمر المتوقع أن يرفض الجميع ضم الدول واحتلالها بقوة السلاح، ولكنه كان ذلك ضمن نفس مخطط حرب العراق وإيران، والهدف النهائي تدمير العراق، وذلك استغلالا لعنجهية الرئيس صدام وفقدانه الحكمة والصبر.

لقد كان خلال حرب العراق وإيران، والتي استمرت من عام ١٩٨٠م إلى عام ١٩٨٨م، أن اضطرت العراق لطلب المساعدة من مصر السادات وقتذاك، ولكن العلاقات كانت مقطوعة بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وجامعة التهريج العربي قد نقلت إلى تونس، فما كان من العراق إلا أن طلبت من عُمان التوسّط له مع مصر، لأنّ كل العرب كانوا مقاطعين ومخاصمين مصر، عدا عُمان والسودان والصومال، وفعلت عُمان ما طلب منها من مساعدة، وتناست الهجمة الشرسة العراقية ضدها، لأنها لم تقاطع مصر بأوامر من الجامعة العربية، ولم تعاد العلاقات بمصر بعد مقتل السادات، لأنّ السبب زال بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، ولكنّهم عادوا خلسة كما سيفعلون اليوم مع سوريا المنتصرة.

إذن العرب يكررون الفشل تلو الفشل، ولا عبرة يستفيدون منها، والمصيبة إنّ لديهم القابلية لتكرار الخطأ وراء الخطأ، ولا خجل أو حياء من شعوبهم أو العالم، وإن عُمان لم تنصع لتطرفهم، وقفزهم المتكرر من النقيض للنقيض، فلم يتركوا لها من لفظ قبيح إلا وألصقوه بها، ولدينا شواهد على ذلك كثيرة، فالأولاد الجدد رغم معرفتهم بصدق قرارات عُمان السياسية، إلا أنّهم بفكرهم العدواني ضد الأمة، لا يناسبهم أن يروا دولة عربية واحدة لا تسير معهم إلى الهاوية، وهنا يقع مكمن التخلف العربي لأنّ العرب يعملون بإخلاص لصالح العدو الصهيوني، ولا إخلاص للأوطان، وها هم في أقل من عشر سنوات خاضوا عشرات النكبات ضد الأمة، فإذا أردنا أن نعدد مصائبهم سنحتاج إلى مجلدات، ولكن "صفر نجاح" إلا إذا كانوا يعدون التخريب نجاحاً، فهذا أمر مشهود لهم فيه بدون منازع.

لقد نجحوا في تدمير العراق، وقبل ذلك نجحوا في حرب أهلية جزائرية لمدة عشر سنوات، ونجحوا في تدمير ليبيا وجعلها دولة فاشلة، وها هم مستمرين في ذلك، وقادوا أكبر ملحمة تدميرية دولية ضد سوريا لمدة ثماني سنوات، ولا ننسى الحرب الأهلية اللبنانية لمدة 15 سنة، ومازالت لبنان تعاني من آثار تلك الحرب إلى اليوم، ودمروا الصومال ولا يزال يئن تحت نار الشرذمة والفرقة، وقسّموا السودان، وينخرون في جسم مصر اليوم، وهكذا وضع الأردن، والطامة الكبرى شن هجوم ظالم ضد اليمن، ولأننا نقول عنه ظالم، إذن نحن في عُمان ضدهم ومع اليمن بالمحتم، ولأننا نعالج الناس لحق الجيرة ولنواح إنسانية، فإننا نهرب السلاح من إيران إلى اليمن، يقولون هذا ككلام مرسل دون دليل، ويتهمون عُمان بالخيانة، قياساً على ما في أنفسهم من خيانة وغدر وعدوان وانعدام إنسانية، تفوق عداوة بني صهيون في الجور والمكر، فعلى الإنسان العاقل أن يفتش عن مصيبة في الساحة العربية، ليس العرب أنفسهم قائمين بها أو دافعين أجرها، أو حتى المصائب التي تنسب للمسلمين حول العالم، فمصدرها بلاد العرب بالمحتم، إذن هذه هي نجاحات العرب.

إنّ التهافت في العودة إلى سوريا اليوم، ليس لأنّ أهدافهم تحققت، وهو هدم نظام الحكم السوري، وذلك بعدما تحقق لهم تدمير الوطن السوري لصالح إسرائيل، وقد أعلنوا ذلك صراحة، إنّ إسرائيل هي الحامي لهم من إيران الإسلامية، وإنّ إسرائيل الحامية لهم من حزب الله، ومن حماس ومن منظمات المقاومة الفلسطينية كلّها، وقد سمعنا بتهديد إسرائيل للعرب، ولكن لم نسمع ولا مرة بتهديد إيراني أو فلسطيني أو من حزب الله للعرب، سوى ما تردده إسرائيل من كلام فيرددون هم ذلك إرضاءً لإسرائيل، فهل نصدق إسرائيل، ونكذِّب محور المقاومة، الذي يجاهد لاسترداد القدس الشريف، والحقوق الفلسطينية المغتصبة، وما كان ذلك ليحدث لولا قوة الغرب، وبدعم سري سابق من العرب، ودعم معلن اليوم ولا خجل.

إذن التسابق اليوم إلى إعادة فتح السفارات في دمشق، لكي يكفِّروا عن خيانتهم لسوريا، ظناً منهم إنّ السوريين بنفس الغباء والسذاجة التي يتمتعون هم بها، وربما نُصِحوا من قبل إسرائيل بفعل ذلك، ليكملوا ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب، أن يحققوه بالغدر والتجسس والخيانة من الداخل، فأقول إنّ المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، ستجدون سورية المنتصرة على خبثكم وغدركم أكثر تحصناً عن ذي قبل، وستحبسون بين جدران سفاراتكم هذه المرة، ومن حاول التظاهر بالصفح ونقاء السريرة، سيعاد إليه شريط فيديو يذكره بقذارة ألفاظه، وقوله الصريح للغرب بطلب قصف دمشق بالصواريخ، ولن نجد طلباً واحداً بقصف إسرائيل بخرطوم ماء، أو قنبلة غاز لمنع جورها على الشعب الفلسطيني.

وأخيراً نقول لكم إنّ هناك مثلاً بريطانياً يقول: "إذا سقط أحدكم في حفرة عليه أولاً أن يوقف الحفر فوراً حتى لا يعيق عملية إخراجه منها "فإنّ عملية الشّر التي تدفعون قيمتها لدعمكم للاستمرار عليها، ستكون الحبل الذي يلتف على أعناق الظالمة، فلا شيء يدوم إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام، وعليكم أن ترفعوا يدكم عن اليمن، وتتركوا لليمانيين حل مشاكلهم بأنفسهم، ولهم الحق أن يطلبوا من يحكِّم بينهم برغبتهم أنفسهم وبالتراضي، وليس بتكسير رؤوسهم وتحطيم وتدمير بلادهم، فاليمانيون شعب حر كريم أبيّ، لا يقبل أن تفرض عليه الحلول المعلبة من الخارج، ويكفيكم أن تعرفوا أنّ شهامة وكرامة اليماني من سلوكه أثناء الحرب، فإنّه رغم الحاجة والعوز، وإنّ من اضطر إلى ترك منزله المهدم، لم ينزح لدول الجوار، وإنّما ظلّ داخل وطنه وفضل أكل أوراق الشجر، وسنظل نفخر في عُمان، أننا لم نؤذِ عربياً واحداً، ولا حتى أي إنسان حر لم يعتد علينا.