مطالب بإنشاء مزارع للأنواع البحرية متراجعة المحصول

الاستزراع السمكي.. كنوز كامنة تحت الأعماق تترقب الاستثمارات

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 

< د. عبدالله العمري: إنشاء شركات أهلية محلية الأفضل لتنفيذ مشاريع استزراع الصفيلح

< سعيد العمري: الصفيلح مورد بحري تنفرد به محافظة ظفار

< باعمر: غلق موسم الصيد يؤثر بالسلب على الغواصين.. ونحتاج للدعم الحكومي

< كشوب: ضرورة ابتكار أسلوب عصري يضمن ديمومة العائدات للصيادين

 

تحقيق - مسلم عبود العمري

تَسْعَى الحكومة الرشيدة إلى تعزيز جهود التنويع الاقتصادي، عبر التركيز على عدد من القطاعات الواعدة، والتي من شأنها أن تُسهم في رفد خزينة الدولة بعائدات اقتصادية بعيدا عن عائدات النفط الآخذة في التراجع، ويُمثل قطاع الثروة السمكية أحد أبرز القطاعات المستهدفة في خطط التنويع الاقتصادي، خاصة في جانب مشاريع الاستزراع السمكي.

وتشهدُ محافظة ظفار إقامة مشاريع سمكية مُتطوِّرة، تتنوع بين تعليب الأسماك وتعليب المنتجات البحرية، ومصانع إنتاج الثلج المستخدم في تجميد الأسماك، إضافة لورش بناء وتصليح قوارب الصيد ومعدات الصيد، كما تزخر المحافظة بالعديد من شركات الأسماك المحلية، التي تقوم بنشاط بيع وتسويق الأسماك، إلى جانب نشاط الاستزراع السمكي، الذي يعد من المشاريع المتطورة تقنيا، والواعدة من حيث قدرتها على توفير وظائف وفرص عمل، علاوة على زيادة الإنتاجية والمحصول من هذه الأنواع البحرية، التي تشهد إقبالا كبيرا من المستهلكين. وتنتشرُ مشاريع الاستزراع على سواحل ولايات المحافظة؛ حيث يتمُّ استزراع الصفيلح والروبيان بمختلف أنواعه والشارخة، فضلا عن استزراع الأسماك بمختلف أنواعها، وهناك مشاريع حديثة للاستزراع تقوم على تقنيات الاستزراع المتطورة، ويديرها شباب عُماني مثابر؛ مثل: مشروع استزراع الصفيلح بمرباط، ومشروع استزراع الشارخة بصلالة.

ومن بين مشاريع الاستزراع السمكي في ظفار: استزراع الصفيلح، وهو كائن رخوي كبير اسمه العلمي "أذن البحر"، ويعد مصدرا من مصادر الرزق للمواطنين في المناطق الشرقية من محافظة ظفار؛ ابتداء من ولاية مرباط إلى ولاية شليم وجزر الحلانيات، ويُقبل الصيادون على صيد هذا النوع من الرخويات البحرية لكسب المال، بفضل الطلب المتنامي عليه من المستهلكين، لاسيما من دول شرق آسيا وبالأخص الصين. ومع مرور الأعوام، لم يراعِ الصيادون أن الصيد الجائر للصفيلح قد يعرض هذا الكائن لخطر الانقراض، مما دعا وزارة الزراعة والثروة السمكية إلى التحذير مرارًا وتكرارًا بشأن عمليات الصيد غير المنظم، لكنَّ واقع الحال يظهر أن الصيادين لم يلتزموا بقواعد الصيد، بل عمد المئات من الغواصين إلى جمعه من المياه الساحلية الضحلة، حتى صغار الصفيلح التي لم تكمل عامها الأول لم تسلم من عمليات الصيد.

وبحسب دراسة أجراها المركز البحثي بوزارة الزراعة والثروة السمكية، فقد انخفضتْ كثافة الصفيلح في العام 2014 بجميع مناطق الدراسة (من مرباط إلى شربثات)، باستثناء ارتفاع بسيط في ولاية مرباط بلغ 0.24%، مقارنة بالعام 2013 عندما سجل 0.21%، إضافة لانخفاض متوسط مخزون الصفيلح في العام 2014 إلى 0.20%، مقارنة بالعام 2010 عندما تراجع بنحو 0.27%.

وفي العام 2017، صدر القرار رقم 336 من معالي وزير الزراعة والثروة السمكية، والذي نص على حظر صيد وحيازة وتدوال الصفيلح والتعامل فيه، سواء بالبيع أو النقل أو التصدير، وكل ما يرتبط بذلك من عمليات، وذلك خلال موسميْ الصيد 2017/2018، وقد استثنى الحظر الصيادين والأفراد والمؤسسات الذين بحوزتهم كميات من الصفيلح من الأعوام الماضية، وجاء هذا القرار لحماية الصفيلح من الانقراض؛ باعتباره ثروة وطنية تعمل وزارة الزراعة والثروة السمكية على استغلالها بطريقة مُثلى وبكفاءة واستدامة للأجيال القادمة.

جُهود الوزارة في حماية هذا النوع البحري، لاقت إشادات كبيرة، وأثنى سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري عضو مجلس الشورى ممثل ولاية سدح، بالجهود التي تبذلها وزارة الزراعة والثروة السمكية في خدمة القطاع السمكي. وقال سعادته: إنَّ هناك لجنة استشارية لإدارة وتنمية مصائد الصفيلح، وتشكلت بموافقة من مجلس الوزراء، ويرأسها سعادة وكيل الوزارة وفيها أعضاء من المحافظة والمعنيين والممثلين عن الغواصين، وتقوم هذه اللجنة بدور كبير وتُسهم في صنع القرار بالسماح أو عدم السماح بالصيد وفقا للموسم، وأيضا كل ما من شأنه خدمة هذه الثروة البحرية. وأضاف العمري: إن الحفاظ على البيئة يأتي من خلال التوسع في إنشاء مشاريع استزراع سمكي لهذه الكائنات، عبر استزراع واستخدام زرائع متطورة جينيا، وأن يتم عزلها تماما عن البحر، ولا يُسمح لهذه المزارع أن تتصل بالبحر لضمان عدم تسرب أي من هذه الكائنات إلى البحر. وأوضح أنه في حالة حدوث أي خلل جيني لهذه الحظائر فبالإمكان السيطرة عليه، لكن عندما تكون الحظائر متصلة بالبحر فقد تُفقد السيطرة عليها. وأشار إلى أنه فيما يخص الصفيلح، فيجب أن تكون هناك نظرة استثنائية لهذا المنتج، ولا يكون هناك  تسرع في استزراعه إلا من خلال اتفاقيات شراكة مع المجتمع المحلي، وذلك نظرا لأن الصفيلح مصدر أساسي لدخل أبناء الولايات المطلة على البحر، ومجمل أبناء هذه الولايات يعتمدون على دخل القطاع السمكي، وبالأخص في موسم الصفيلح.

 

حرص مجتمعي

ويمضي سعادته قائلا: إنَّ مشاريع الاستزراع السمكي ليس لها أي تأثير سلبي بحسب بعض الخبراء، مستدركا بأنه ربما يؤثر بصورة أو أخرى مباشرة أو غير مباشرة، مستشهدا بالمصائد القائمة حاليا والتي تتأثر بمشاريع الاسترزاع. وأوضح العمري أن مجتمع الصيادين بات متفهما لقضية تنظيم الصيد ويبدي استجابة كبيرة فيما يتعلق بموسم الصيد؛ مما يدل على حرص المجتمع على حماية هذه الثروة ودعم استدامتها. وأشار إلى أهمية استمرار المجتمع في تشديد الرقابة على المصايد للحفاظ عليها وصونها وحمايتها من المخالفات، لافتا إلى استجابة الوزارة المستمرة في هذا الجانب.

ويرى العمري أنه من الأفضل عدم إقامة مشاريع استزراع سمكي للصفيلح دون التشاور مع المجتمع المحلي، فالمجتمع متفهم جدا لمسألة حماية الصفيلح، وإذا كان البديل أن يتم استزراعه فلن يمانع، استجابة للمصلحة العامة، وتكون هناك بدائل، وهذه البدائل بلا شك هي مشاريع استزراع الصفيلح بمشاركة أهلية بشركات محلية، مع الأخذ بخبرات من شركات فنية للقيام بهكذا مشاريع، معربا عن أمله في أن يكون هناك تنسيق في هذا الجانب. وأشار العمري إلى مقترح ومطلب بإشهار جمعية الصفيلح العمانية، لكي تكون ممثلا للغواصين وتجار الصفيلح وكذلك الخبراء العلميين أصحاب الخبرة في هذا القطاع، ونأمل من الغواصين أن تكون هناك لجنة تأسيسية لجمعية الصفيلح العمانية وإشهار الجمعية رسميًّا من قبل وزارة التنمية الاجتماعية. وبيَّن أنه تمت مناقشة هذه الجمعية في مختبرات البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي "تنفيذ"، لافتا إلى قبول وتفهم مختلف الأطراف، وأنه تمت مناقشة معالي الشيخ وزير التنمية الاجتماعية حول إشهار جمعية الصفيلح العمانية والجمعية العمانية للصيادين (للقطاع السمكي)، وقد أعلنت الوزارة إشهار جمعية الصيادين ونأمل إشهار جمعية الصفيلح العمانية.

 

عامل تنموي

وقال الشيخ سعيد بن أحمد العمري: إنَّ الصفيلح  يُمثل أهمية كُبرى لمجتمع الصيادين؛ حيث إنه مورد بحري تنفرد به محافظة ظفار، وعنصر إيجابي يسهم في در أرباح للمواطن في مناطق تواجده؛ لذا فهو من عوامل التنمية في حياة الإنسان بالمحافظة، خاصة في المناطق الشرقية منها. وأضاف العمري أنه من الآثار السلبية التي أدت للتراجع الكبير في ثروة الصفيلح، غياب الوعي بأهميته، والتي يفترض أن يتحلى بها كل مواطن وأن يضع في حسبانه أنها تمثل ثروة له وللأجيال القادمة من بعده. وتابع العمري أن الصيد الجائر أثر بالسلب على هذه الثروة. ‏وفيما يتعلق باستمرار إغلاق الموسم، قال العمري إنه يؤيد قرار المنع لعدة أسباب؛ منها: تعزيز ثقافة الصيادين بأهمية هذا المورد، وأيضا استعادة البيئة البحرية لوضعها الطبيعي بعد الصيد الجائر والتأثير السلبي على مكوناتها، وإعادة نقل الصفيلح من المواقع التي خصصت لمشاريع عامة لمواقع أخرى بُغية حمايتها في مواقع آمنة.

 

الاستثمار البحري

وأكَّد الشيخ سعيد العمري أنَّ الاستزراع لن يُؤثر سلبيًّا على هذه الثروة البحرية.. قائلا: لو نظرنا للوضع من منظور التنظيم بين الجهات المستثمرة في الاستزراع وبين المواطن من حيث الاستفادة من خبرة ابن البيئة في عملية تطوير المنتج، فإنَّ الشراكة الحقيقية هي التي يطمح لها المواطن المنتمي لتلك المناطق، وإذا كان الوضع لا يقع في نطاق تلك الشراكة؛ فالأمر لن يحقق الفائدة المرجوة، ويعني ذلك إبعاد المواطن عن بيئته التي يعمل فيها وحرمانه من خيراتها.

وطرح العمري فكرة تأسيس شراكة أهلية وضم أبناء الولايات ضمن المستفيدين من ثروة الصفيلح، وأن يتم إنشاء شركات الاستزراع عن طريق الشركات الأهلية المحلية، أو بالشراكة بين المواطن والشركات الخاصة الراغبة في الاستزراع.

من جهته، يرى الغواص حسن باعمر أنَّ آثار غلق الموسم على الغواص سلبي، وذلك لعدم توافر الدعم المادي الذي يغطي احتياجاته في موسم الغلق، وأيضا طول مدة الغلق، مضيفا أن مستقبل الصفيلح لا يزال بإمكانه التعافي والنمو، بدليل إقبال الإستثمار الأجنبي على هذا النوع من المشاريع. وتابع: بخصوص شروط التحسن، فإن الإدارات التي تدير الصفيلح والجهات الرقابية والتوعوية يجب أن تغير خططها.

ويرفض باعمر إنشاء مشاريع استزراع  الصفيلح؛ باعتبار أنه سينافس الصفيلح الطبيعي، داعيا إلى ضرورة أن تدير شركات حكومية هذه الثروة، مُستعينة بخبرات عمانية، تعمل على نمو هذا المنتج وغيره من المنتجات البحرية؛ لتنمِّي وترفع مستوى دخل الفرد، ويعود على الدولة بالنفع والإيرادات.

وفي هذا الإطار، قال أحمد بن سعيد كشوب الخبير الاقتصادي: إنَّ الصفيلح مورد رئيسي وأحد مصادر الدخل لمجموعة من المواطنين، خاصة أبناء الولايات والنيابات المجاورة لأماكن صيد الصفيلح في ظفار، ويجب الاعتراف بواقع المرحلة المقبلة لدى المواطنين بأنَّ الصيد التقليدي لن يكون مصدرا اقتصاديا لهم، داعيا إلى ضرورة إعادة مراجعة وسائل الاستثمار بأسلوب عصري يحقق للصيادين الديمومة في الاستثمار.

وأضاف كشوب: إنَّ أي استثمار يتوقف على عدة عوامل؛ منها: العرض والطلب، ثم بعد ذلك أدوات الاستثمارات ومخاطر الاستثمار على ثروة الصفيلح، لاسيما في في ظل المتغيرات المناخية، علاوة على التحدي الآخر وهو التكاليف المادية البشرية في الاستخراج، وأيضا تكاليف التغليف والتصدير. وأوضح أنه في ظل التطور التقني وكفاءة وجودة الاستخراج والتكاليف، وكذلك حِفَاظا عليه كمورد دائم، فإن أسلوب الإستزراع هو الأفضل اقتصاديا  في المرحلة المقبلة.

ويقترح كشوب تأسيس شركات أهلية من أبناء المنطقة، وإنشاء مزارع استزراع، واستخدام الوسائل الحديثة في التصنيع والتعليب والتصدير، مشيرا إلى أنَّ ذلك لا يعني انتهاء عصر الصيد التقليدي، لكنه لن يكون مجديا اقتصاديا خلال السنوات العشر المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك