هكذا تَعلمتُ مِن الحياةِ (2)

محمد عبد العال | مصر


تعلمتُ من الحياةِ.. أن لا أحكُمَ على شخصٍ من مظهرِهِ دونَ الاحتكاك بهِ واختبارَ جوهَرِهِ - وإن كان التَأنُّقُ مطلوباً على كُلِّ حالٍ - بَيْدَ أنَّ بعضَ النَّاسِ لا يُحْسِنُ التّأنُّقَ وإن كانَ في نفسِهِ جوهرةً ثمينةً.
في مرحلةٍ مِنْ مراحِلِ حياتي كانَ معي صديقٌ من صعيدِ مصرَ قمّةٌ في البَسَاطةِ في هِندامِه وألفاظِه وتعامُلِهِ، لكنهُ وبِحُكمِ احتكاكي بهِ كثيراً وجدتُّ شخصاً آخر غيرَ الذي أرى - شهامةٌ لا مثيلَ لها، غايةٌ في الذَّوْقِ والرُّقيِّ حين يتعاملُ مع الآخرين، مثقفٌ، بليغٌ، أريبٌ ، ناصحٌ، وأمينٌ، قاصٌّ للتاريخِ مبدعٌ لو خُيِّرتُ بينَ صداقتِه حينها وكثيرٌ مِّن ذَوي الياقاتِ البيضاءِ لاخترتُ صداقتَهُ دون تفكيرٍ.  
" بعضُ النًّفائِسِ يعلوها الغبارُ لكِنَّها تحتاجُ مسحةَ فنّانٍ لتتألَّق" .
تعلمتُ من الحياةِ أنَّ الروحَ لا تستقرُّ ولاتهدأُ إلا بقُربِها مِن بَاريها، عرفتُ أناساً ما تركوا من اللهو شيئاً إلا وجرَّبوهُ، ولا مِن ما يشتهي الشبابُ إلاَّ وأقبلوا عليه، ولكنَّهُم مع كل هذا شكواهُم دائمة من ضيقٍ ونكدٍ وهَمٍّ ملازمٌ لهم، وهُم - والله - قد جرَّبوا القربَ من اللهِ فهدَأتْ أنفُسُهُم واستَقرّتْ، وحَكَوا عن طُمأنينةٍ ما استشعروها إلا في سجدةٍ بخشوعٍ أودعاءٍ بخضوعٍ أو تلاوةِ آياتٍ أو ذكرٍ، و لكن سُرعانَ ما تَجُرُّهُمُ الأهواءُ إلى مستنقعِ البُعد والشقاءِ وحُقَّ للنّارِ أن تكونَ محفوفةٌ بالشهواتِ.
تعلمتُ من الحياةِ أنّ اليأسَ هو أقوى أسبابُ الفشلِ، و أنّ مَن أدمَنَ قرعَ البابِ يُوشكُ أن يُفتحَ لهُ، وأنّ اليأسَ -  غالبا - ما يكونُ قُربَ انجلاءِ المِحنةِ، فإذا صادَفَتْكَ مشكلةٌ أوأعجزتكَ معضلةٌ فانظر لها بمرآة مُحدبةٍ حتى تبدو لك صغيرةً وبعيدةً ريثَما تُعِدُّ لها حلاًّ ناجحاً، إذا رُمْتَ أن تتعلّمَ مهنةً، أو تَدْرسَ منهجاً جديداً، أو لغةً لم تعْهَدْها من قبلُ فالصبرَ الصبرَ، وبذل الأسباب، ولتعلمَ أن المستحيلاتَ لا تكونُ إلا في قواميسِ الفاشلينِ ومن أعظمِ مُتعِ الحياةِ أن تُنجزَ شيئا قال عنه الآخرونَ: إنهُ مستحيلٌ .
تعلمتُ من الحياةِ.. أنَّ قول "لا" في أوقاتٍ معينةٍ يمنعكَ من تبعاتٍ تظل لفتراتٍ تعاني آثارها أو تعيشُ معاناتِها.. وما زلتُ حتى الآن فاشلا في قول "لا" في وقتها.
تعلمتُ أيضا أن لا أقفَ كثيراً أمام كلّ ما يُقال عني إيجاباً كان أو سلْباً إلا ما كان من نّقدٍ بنَّاء وقتها فقط أُعيدُ ترتيبَ حساباتي وقديماً قرأتُ "من يرْمِ الذُّبابَ بمنجنيقٍ سيخسَرُ سهمهُ وقتَ النّضالِ"
دروسُ الحياةِ لا تنتهي.. نتعلَّمُ ، ونُعلّم من كبواتنا وخذلاننا وانتصاراتنا - أحيانا - لمن أراد أن يذّكّرَ أو أرادَ شُكُورا.
وللحديثِ بقيَّةٌ .

تعليق عبر الفيس بوك