الوطن العُماني بحق الله معصوم

 

حمد بن سالم العلوي

لقد ظل المواطن العُماني الغيور هو حامل لواء الدفاع عن السلطنة والسلطان؛ لأنّه يرى فيهما رمز قوته وكبريائه، والعُماني يكاد أن يكون المواطن العربي الوحيد المتميز الذي يتناسى همومه وأوجاعه الشخصية، هذا إذا افترضنا اختفاء التحزُّب المذهبي والديني والقبلي والمناطقي، وذلك كلما اعترته المحن والنجود، فينسى كل شيء ويتذكر عُمان وسلطانها على أنهما أغلى من كل شيء في حياته، فمهما حاول الخبثاء والمتربصون بعُمان الدوائر أن يجروُّا هذا المواطن البسيط في مظهره، القوي في جوهره إلى دوائر الفتنة والتحريض فتجده يفزُّ من غفلته ويرتقي عالياً عن براثن السوء، فيخرج نفسه جانباً عن محل الجذب والاستقطاب، فيتحول تلقائياً ولا إرادياً كخصم مدافع عن الوطن، وهو بفطنته وكياسته وذكائه المعهود تجده يقود نفسه إلى جوار نخبة من الوطنيين؛ يستشعر فيهم الحميمية الصادقة، ويطمئن لهم فيصطفون معاً كالطود العظيم أمام كل هجمة مخططة من الخارج، فتتكسر تلك الأباطيل على جدران الحق العُمانية بإذن لله الواحد الأحد.

فيا سبحان الله من الذي أوعز لهؤلاء الناس الوطنيين العُمانيين، أن يلتقوا على صعيد تويتر أو الفيسبوك أو حتى الواتساب، وهم ليس بينهم سابق معرفة ببعض؛ فيشكلون سداً منيعاً ضد جحافل الذباب الإلكتروني الموجه من الخارج والجميع بات يعرف من هم، حيث يتدخلون في شأن الآخرين، هذا على الرغم من أنّ مواطني هذه الدول التي تستهدف عمان ليسوا أحراراً حتى يقولون ما يشاؤون في وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يعلمون بحكم تدخلهم في الشأن العُماني المتكرر أن شعب عُمان ليس موجها، وأنّ المواطن العُماني هو الأوفر حظاً في حرية الرأي والتعبير، لذلك تجد السفهاء عندهم لا يصدقون أنّ العُماني يتفاعل من تلقاء نفسه مع الرأي العام، وحتى لو عرفوا يظل من مصلحتهم التشكيك في هذه القناعات، علّهم يجدون من يقتنع بشيء من أكاذيبهم، فلا غرو أن يكون الكذب ثم الكذب من القيم الأساسية لكل كذاب أشر من معشر الذباب.

لقد أثبت المواطن العُماني أنّه إنسان عظيم في سلوكه، فهو كريم ويحافظ على كرامة الآخرين، وأنّه إنسان خلوق ومؤدب فلا يخاطب الآخرين إلا بأخلاقه وقيمه العُمانية الرفيعة، وذلك حتى لو تجاوز هذا الآخر، وسبّ وشتم لكن الإنسان العُماني يظل مترفعاً عنهم، فلا يسقط قِيمه وأخلاقه لينزل إلى مستوى ووضاعة ذلك البعض، وهناك من يضع صورة تعتمر العمامة العُمانية "زيفاً وتدليساً" لكي يسب ويشتم باسم الإنسان العُماني، فسرعان ما يتم كشفه وتعريته من أسلوبه، لذلك إذا قاد العُمانيون هاشتاجاً (وسما) في تويتر مثلاً، فيجد الذبابيون فرصتهم لركوب الموجة، قاصدين التدخل بخبث لتحريف المطالب الحقيقية إلى شعارات نكد وتحريض. لكن الإنسان العُماني أصبح أكثر وعياً لألاعيبهم المقززة، فلا يفتحون لهم باباً للولوج إلى الشأن العُماني الداخلي، فنحن في عُمان عُرِف عنّا أننا أصحاب حكمة وصبر، وأننا نرى أنّ المطالبات في العمل والتوظيف، ونقد سلوكيات بعض المسؤولين من الممكن، وإنّه حق للمواطن أن تكون عبر "هاشتاجات منسقة" فهي الأسرع للوصول إلى الأهداف المرسومة لها، وقد كان البعض يتخوّف من الإندساس خلفها من قبل الأعداء، ولكن بمرور الوقت أمكن السيطرة عليها بحيث لا تستغل بالتشخيص.

إنّ الأمر الرائع في الموضوع، ألا أحد يدعو إلى اعتصامات لتحقيق مطالب؛ لأن الكل أصبح يعلم أنّ المتربصين بالوطن العُماني يعدون ذلك أمنية منتظرة ليستغلوها لصالحهم، ولإشباع فكرهم المريض في التخريب، بعدما أصبحت أبواب الخير موصدة في عرفهم البائد، ورغم أنّ التخريب يحتاج إلى عقول تخطط له، فلا بأس في ذلك طالما كان المال هو المحرك، وأن الدِّين استعيض عنه بعقيدة علمانية ماسونية في زمن أصبح يعج بالردة الحديثة، مقرونة بأساليب إلحادية خادعة؛ ولكن ما عسانا ننتظر من أشخاص تغذوا بالمال الحرام، وتدثروا بثياب الحرام، والحديث الشريف يقول: "من كان مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له"، ونحن في عُمان لا تغرب عنا معرفة القوم، ولو حتى غطت النعمة على بعض السوءات، لكن يبقى التاريخ خير شاهد على الكثير من السلوكيات القزمة المقززة، ذلك حتى لو غُلِّفت بماء الذهب كما يُغلِّفون أشياء كثيرة اليوم.

إنّ من مفاخر عُمان اليوم، أنّها تستعيد أمجادها التليدة، وأنّ الظروف تأتي لتخدم عُمان، رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين، فعُمان تأتيها الأمور منقادة إلى دارها، فتبتُّ فيها بما تستحق، فتظهر للآخرين على أنّها ليس لها من حل إلا حلول العقلانية التي جرت عبر الحكمة العُمانية، وأنّ النوايا الخيرة لا يمكن إلا أن ينبثق عنها خير، وأنّ السائرون في الدروب الواطية لا يمكنهم أن يروا أكثر من المحيط الذي أوجدوا أنفسهم فيه من حضيض وحطام، وذلك على عكس من أختَّط لنفسه طريقا يجعل الخير فيه الهدف الأسمى، فإنّه سيرى مسافة أبعد وأعم، وسيَشهد الآخرون عليه أنّه قدَمَ صدق لا ريب فيه، وإنّه المؤهل دوماً ليكون محل ثقة للبعيد قبل القريب.

إنّ مشاكل تشغيل الشباب، يجب ألا تكون قضية دعائية، أو حق أريد به باطلاً، فالتشغيل حق لكل مواطن، والكل يجمع على أنّه حق، ولكن ماذا نقول وقد تبلّد عقل المسؤول الحكومي عن ابتكار أساليب جديدة، وطرق لتفريغ هذا الاستياء الذي يزداد تعقيداً بمرور الوقت، وأنّ التشغيل والعمل حق لكل مواطن قادر على العمل، وأنّ هذه المعضلة لن تحل بالطرق التقليدية التي تعودنا عليها، لذلك يجب أن يكون هناك مركز دراسات وطني، يستمر في طرح الحلول والمقترحات، وفي القريب منه مجلس لاتخاذ القرارات، ومجلس آخر للإشراف والمتابعة والتحليل والتقييم، وأن يكون لهذه المراكز والمجالس صفة البقاء والديمومة، أمّا مسألة ترحيل الحلول وتأجيلها من عام إلى عام، فليس وراء هذا التصرف إلا استحكام العقد وديمومتها وتضخمها، والنتيجة يجب أن تكون معروفة للجميع.

إذن فلتزاح العقد من شروط التوظيف، كشرط العمر والخبرة والشهادة والحد الأدنى للرواتب، وأن تكون المنافسة في القدرة على الإنتاج والإبداع، وأن يربط الدعم الحكومي بمظلة للتاجر الناشئ، حتى يستقيم عود تجارته، وتتكون لديه المقدرة في شق طريقه بنفسه، ونقول هذا بعدما أثبتت التجارب الماضية فشلها، وأنّ نظام التعمين عقّد الأمر أكثر من إيجاد الحلول الناجعة لها، فليس عيباً أن نعترف بالأخطاء ونناقشها بجدية، بل العيب كل العيب أن نظل ننكر وجود أخطاء، ونحن قياساً مع الدول الأخرى نعد ضمن الدول الناشئة، وهناك من لا يريد أن يعترف بوجود أخطاء، حتى لا يكشف عجزه عن إيجاد الحلول المناسبة، وربما هنا مكمن الخطر على الوطن.

أخيراً نقول للمسؤولين عليكم أن تعملوا بأسلوب شفاف مع المواطن، ولا تجعلوا بينكم وبينه سداً من الصمت، وفي كل مرة تأتون بحيلة للمماطلة والهروب إلى الأمام، فبالأمس صدعتم رأسه بمشروع "تنفيذ" وبين كل فترة وأخرى تُسمنون هذا التنفيذ بقرارات جديدة، وكله ضجيج بدون طحين، وقبل تنفيذ كان صندوق الرفد ومراكز سند وصناديق الشباب بمختلف أنواعها، وبين وقت وآخر تُعرض فقاعة امتصاصية، والمواطن يبحث عن حلول حاسمة جازمة، تضعه على طريق التنمية والتقدم، وليس سراباً لا يمسك منه شيئاً، هذا إن كنتم تحبون عُمان وجلالة السلطان. فكفى تهرباً والعمل بدبلوماسية مع المواطن، الذي يقف حائراً ينتظر منكم الخير كل الخير.