نهائي ليبرتادوريس.. الحكاية التي يجب أن تُروى

الرؤية ـ المعتصم البوسعيدي

كان لوصول فريقي بوكا جونيورز وريفر بلايت لنهائي ليبرتادوريس ـــ قبل أسابيع من الآن ــ ضجة كبيرة لم تقتصر على بلاد الفضة فقط أو قارة أمريكا الجنوبية؛ بل كان العالم كله يترقب هذا "الكلاسيكو" الناضح بصراع الأقوياء داخل المستطيل الأخضر وخارجه، وكان الترقب بقدر التطلعات مع الأحداث الكبيرة التي صاحبته، والتي اضطر معها المنظمون لإقامة إيّاب النهائي خارج القارة، حين استضاف معقل ريال مدريد ختام الحكاية المثيرة بدموع الحزن والفرح.

 لقد أثبت نهائي ليبرتادوريس أنّ كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى، ولغة الشعوب وترجمان حياتها الاجتماعية، كما أنها ــ أيضاً ــ الاستثمار الناجح، والوسيلة الضخمة لتمرير الغايات الحسنة منها والمريبة على حد سواء، وبعث هذا النهائي رسالة متجددة بأنّ كرة القدم ليست أوروبا ــ فقط ــ بأنديتها الغنية، وأن كرة القدم لغة عالمية تقرب المسافات وتصنع اللحظات المختلفة، وقد عرفنا النهائي المثير ــ عن قرب ــ على صورة التعصب المحمود والقاتم، وقيمة الانتماء العالية، وإنّ المال قد لا يعني شيئا مع الإخلاص والحب والشغف.

لا شك أنني لستُ بحاجة للحديثِ عن القيمةِ الفنيةِ لنهائي ليبرتادوريس فقد أشبعه أهل الكرة تحليلاً ونقدا، لكنني أجدني مُنجذباً للحديثِ عن حكايةِ "ديربي" مدينة بوينس آيرس؛ حيث الأغنياء والفقراء، والحب والكراهية، وحيث التأسيس من تجار الأرجنتين بالنسبة للريفر والمهاجرين الطليان بالنسبة للبوكا. حكاية تروي لنا تحديد طبيعي للون قمصان أصحاب معقل "المونومنتال" الأبيض والأسود مع الخط الأحمر، في حين أن ألوان أصحاب معقل "البومبونيرا" كان أول العهد مكتسياً باللون الوردي، إلا أنّ هناك من نافسهم عليه وكسب رهان الفصل، مما جعلهم يربطون لونهم بلون "علم أول سفينة قادمة لميناء بوكا"؛ فكانت السفينة السويدية التي استمد من علم السويد لون القميص المعروف الأزرق والأصفر.

إن حكاية الناديين العريقين تضم سجلات ذهبية من الألقاب العديدة، والزخم الجماهيري الذي يكأد لا يُعلى عليه، وقد شاهدنا الحضور الجماهيري للحصص التدريبة بمدرجات لا تجد فيها حيزا "لقيد أنملة"، فهذا الشغف ــ في اعتقادي ــ يمثل سطوة الحضور العالمي لناديي مدينة "الرياح الطيبة" مدينة تنبض بكرة القدم، وتبعث الابتسامات على ثغر الإنسان البسيط العادي الكادح، والإنسان صاحب السلطة والمال والجاه والشهرة، دون أن نغفل أن حكاية الناديين ولد من بين سطورها قصة ماردونا ودي ستيفانو وباتيستوتا وريكيلمي وغيرهم من الأساطير الكروية الأرجنتينية والعالمية المعروفة.

يبقى أن النهائي أنتهى بفوز وتتويج الريفر على البوكا في أرض المستعمر السابق، وانتهى مع الإشارة المستمرة لضرورة استثمار حكايته على مستوى رياضتنا وكرتنا المحلية وحتى العربية، فنحن لا نريد التعصب الذي يقتل المبادئ، ولا التسييس الذي يهدم الغايات النبيلة، ولا نريد أن نشعل المدرجات ولاءات عقيمة يظهر تأثيرها في المجتمعات بشكل سلبي؛ نحن نريد الشغف والاستثمار النافع لاقتصاد البلد، وصنع القدوات الجيدة، وتعزيز قيم الحب والكفاح، وجعل حديث المجتمع من أجل الرقي والازدهار، على أنّ ذلك ليس بالسهل ولا بالمستحيل أيضاً، وشاهدنا بالأمس القريب كيف أنّ نادي العين الإماراتي أخرج ريفربلايت ــ الذي نتحدث عنه ــ من بطولة كأس العالم للأندية وصار نداً وطرفاً في نهائي العالم الذي قد يتوج به حتى وإن كان المنافس النادي الملكي المدريدي، ولما لا؟! بالرغم من أنّ الحكاية التي أود أن نرويها هنا ليست مجرد بطولة نفوز بها، إنما تقع في أهمية استفادتنا من تجارب الآخرين دون أن نستوردها مُعلبةً منتهية الصلاحية قبل فتحها؛ فنستفيد بقدر حاجتنا لنصنع تجربتنا وفق واقعنا وقيمنا ومبادئنا التي يمكن بها قهر كل التحديات.