حسام بدوي "ذاكرة عبثية".. تصمت أمام قدر طلقة!!..


مجدولين الجرماني | كاتبة سورية

من مطلقٍ بديهيٍ أدخل بأسئلة افتراضية بيضاء حيث تبدأ حكايتي أنا مع القراءة, ترى هل نحيا بما تختزنه ذواكرنا، رائحة الأماكن، الأشخاص، الماء, الملح, أم نحن موهمون بقصة البحث عن أمل لنحيا ونستمر بركب عجلة الجنون المتدحرجة؟!.
قصة قصيرة تشنق روحها على مشجب الرواية كي تدخل أعماقك وتخترقها بسلاسة إنصاتنا لكل ما هو على الورق من أفكار لرجل شرقي جمعته الصدفة على طاولة فتاة ومن دون موعد في ذات مقهى, علقت هي كل إرث قلبها على مواعيده ورمت حبل قاربها على متن حضوره عندما قال لها معرفاً, "زياد أنا.. أنا رجل المطر وأقداري يكتبها المطر، أنا رجل الألم والجنون".
من فتنة الماء التي تأخذ الطرف الآخر إلى أقصى درجات الجنون.. حيث الحب، دخل بنا الكاتب دهاليز مورثاته كلها, التفكير والتشعب والتشتت بين الواقع والافتراض في خياله الفسيح على الرغم مما يحيط به من عبثية اليأس مقحل في الداخل..
فوجود أنثاه التي تحبه بين يديه - عندما سلمته قياد قلبها - هي لم تكن تدرك بأن ما تمر به ليس إلا فقط مرحلة جوع جسدي بل قصة الكل يعرف أن مسمى الحب ليس أكثر من اسم لكن الدليل يقول, هو النهج الذي تقوده الخطوات على درب إشباع الرغبات الروحية.. ثقافة مجتمع مكتسبة..
هل هو الجوع أيضا أم الصدق؟.. عندما ذهبت جوليا إلى أبعد جهات الجنون لتقدم نفسها قرباناً على معبد حب غير واضح الملامح، حين أسلمت لحبها كل جوارحها وهي تعرف، بأنه مهووس بحب يبحث عنه ليغطي انكشاف روحه.
حاول الكاتب ترك إشارات أو ربما مفاتيح مبعثرة كي يمسك زمام القارئ وهو يدرك أنه يضرب على وجعه من خلال أن يبين له كرجل شرقي بأن "القبلة تدوخ الفتاة الشرقية", في كناية إشارة العطش ثم ينعطف ليبدد كل شيء مما سبق بأن الحكاية كلها مجرد ذاكرة عدمية لأشخاص دثرهم الزمن مرصوفين على رفوف المكتبات بهيئة كتب, لكنه يرضخ أمام قصة العمر لبين بأنه لا يعني شيئا بمقياس ريختر بالنسبة للحب, فزياد بطل الرواية كل ما شاهده وعاشه هو قصته مع حبيبته فرح، فرح حب قلبه وذاكرته وبقية التفاصيل لا تعنيه، هنا فقط شعر بنبض الإنتعاش لذاكرته الميتة..
يذهب الكاتب في مفاصل عدة من الروي أن لا يفقد الخيط الرفيع بينه وبين القارئ, وذلك عبر شده إليه بطريقة مختلفة عما غيره من خلال أسلوبية تخصه وحده ككاتب تجعل من القارئ متلهف للوصول عن طريق الحدث عما سيقوله في النهاية وخصوصا عندما يتحدث إليه ليخبره بأن "الحب ينبت أصلا في أرض الجنون وإلا ما كان حبا". هذه من جهة ومن جهة أخرى من خلال الحوار الذي أسأل عن حالة تطابق ما يحمله الأدب مع الواقع؟. هذا وقد حاول تمرير أجابته دون تكلف بقوله: "نهرب من أخطائنا أو مشاكلنا إلى الأدب"!!.
وهو ما يتيح للكثيرين أن يتدثروا بمعاطف الإنسانية ليخفوا ما يملكونه من غرور وكذب وقسوة بين ضلوعهم.
وفيما تبين لنا خطوط النص عن تمكن كاتبه "حسام بدوي" الذي حاول تثقيف نصه بمقولات ومبادئ فلسفية وهو ما انعكس عليه ككاتب ليحاور نفسه بعمق من خلال اعترافه بأن: صديق رحلتي الشارع الكئيب، أمضي معه ويمضي معي، أسقيه عناء ويسقيني وجوها, ثم ينهض من فراغه مجدداً ليدلي ببيانه وبخطابية: عندما يمتلكك التاريخ أو الماضي لا تلفظ كلمة الحرية، لأنك أصبحت مقيدا بالتالي، لا يحق لك مطالبة الآخرين بشيء لا تملكه أنت بالأصل".
لكنها بالنهاية دائرة حياة (الرواية) كاملة وفي أغلب الأحيان تستدعي وبكل جرأة أبطالها للوقوف أمام مرايا ذاتهم, تحت وقار السؤال, أي ذاكرة مقيتة تبيح العذاب لأنثى على يد الرجل الذكري؟.
الوقوف أمام الحقيقة يحتاج لدقيقة صمت واحدة عند النهاية, فزياد البطل قالها وانطلق: من يمتلك الإحساس تكفيه رصاصة قدر واحدة، كي ترميه في المنفى".

 

 

تعليق عبر الفيس بوك