شبابُنا.. ثروتُنا

حاتم الطائي

< البرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب ترجمة للرعاية السامية لقطاع الشباب

< مُبادرات "الرؤية" تمضي على خُطى النهج السامي بدعم الإبداعات العُمانية الشابة

< "جائزة الرؤية لمبادرات الشباب" تُطلق العنان للعقول النيِّرة وتحفز المبدعين

الحديثُ عن الشباب وتأثيرهم في المجتمع يحتاج مُؤلَّفات عديدة، تتناول مُختلف الأبعاد: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والرياضية، والفنية، والإبداعية... وغيرها؛ بما يُتِيح للشباب تركَ بصمةٍ تُحدِث طفرةً ونقلة نوعية في الأداء. ونحن عِندما نصفُ الشباب بأنهم ثروة وقوة المجتمع، وسواعده الفتية القادرة على دعم مسيرة التنمية، فإنَّنا نُشير إلى أنَّ قرابة نصف المجتمع -في الفئة العمرية التي لا تَتَجاوز سِنها الأربعين ربيعًا- قادرون على تحمُّل المهام بكل حماسة وتوهُّج، وإمكانية تنفيذ المهام بنَفْس توَّاقة للتقدم والإنجاز، وعزيمة مُتَّقِدة لا تعرف اليأس أو الإحباط.

وشبابُنا ثروتُنا؛ لأنهم وقود التنمية، ومُحرِّكُها الأساسي، الذي يدفع عجلة النهضة إلى مزيد من التقدم والرقي، وهم من تجدهم في مختلف المواقع مرتفعي الهمة ومنتصبي القامة، يعملون بجد واجتهاد، يتقبَّلون النقد، ويتفهَّمون الاختلاف مع الآخر بكل أريحية، يمتلكُون أفقا معرفيًّا لم يحظ به جيل الآباء الذي لم يُعَاصِر نشوء الثورة الصناعية الرابعة، هم جيل الألفية الذين أسهب علماء الاجتماع في تتبُّع صفاتهم وتقفِّي مُميزاتهم؛ إذ يعتبرهم الاجتماعيون الجيل الأكثر قدرة على العطاء، وأيسرهم انخراطا في الأفكار الحضارية والثقافية، وهم الراغبون في العمل لأقصى مدى. ولا يُخَالِطني شكّ بأنَّ هذه المميزات مُتوافرة في شبابنا، إضافة إلى أنهم نشأوا على صفات أخرى تجذَّرت في نفوسهم، بفضل البيئة العُمانية الغنية؛ فصفات الشهامة، والكرم، وحسن الخلق، والرغبة في إتقان العمل، مُتأصِّلة لدى قطاعات عريضة من شبابنا.

والشبابُ هم محورُ اهتمام القيادةِ الحكيمةِ لحضرةِ صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ويتجلى ذلك في الكثير من المشروعات المُخصَّصة لهم، وأيضًا البرامج التي تمَّ إطلاقها حصرًا على الشباب، فقد تفضل جلالته في السابق وخصَّص يومًا للشباب العُماني؛ إيمانا بدورهم الفاعل في بناء الوطن، وكأس جلالته للشباب... وغيرها الكثير من المَكْرُمات السامية التي تستهدف الشباب؛ سواء لتكريمهم على ما قدَّموه من إنجازات، أو تلك التي تَسْعَى لتحفيزهم على العطاء، والبذل لأجل الوطن الغالي.

وقد تُوِّج هذا الاهتمام السامي مُؤخرا، بإطلاقِ البرنامجِ الوطنيِّ لتنمية مهارات الشباب، والذي يحظَى بالمباركة السامية لجلالة السلطان المعظم -أيده الله- وبإشرافٍ من ديوان البلاط السلطاني. وكم سعدنا بإطلاق "مسار الشباب" لأضخم تجمُّع لأفكار المشاريع التقنية الناشئة في بلادنا، وبالتعاون وبدعمٍ من أكبر الشركات العالمية المتخصصة على الإطلاق، وهي عِملاق التكنولوجيا في العالم "جُوجل". ومصدر سعادتنا هنا أنَّ نحو 600 شاب وشابة يتنافسون على إبراز أفكارهم ومشاريعهم التقنية، والتي سيتم تحويلها فيما بعد إلى مشاريع على أرض الواقع. وبالأمس، تمَّ الإعلان عن أفضل 100 فكرة من بين الـ600 التي تنافستْ في البداية، وهي كلها مشاريع رائدة وطموحة، تأمل أن تُبصر النور لتكون شركات ناشئة، ترفد الثورة الصناعية الرابعة بأفكار عُمانية مُتميزة، توظِّف تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في خدمة الإنسانية. وما يهمُّني أن أُشِير إليه في هذا المشروع الرائد هو "سباق الأفكار"، إنَّه يمزجُ المحلية بالعالمية؛ فالأفكار محلية الصُّنع عُمانية الجوهر، لكنَّها ستكون عالمية التنفيذ والتطبيق، فشركة "جوجل" العملاقة ستكون هي الدَّاعم الرئيسي لترجمة الأفكار إلى مشروعات حقيقية.

هذا المشروع الطَّمُوح الذي يستنطق الأفكار العُمانية في عقول الشباب، يُمثِّل ترجمة للتوجيهات السامية في هذا الخصوص، كما أنَّه يُبرهن أهمية الشراكة بين القطاع الحكومي (ديوان البلاط السلطاني) والقطاع الخاص (شركة "جوجل"). وهذه الشَّراكة حثَّ عليها المقام السامي -حفظه الله ورعاه- في غير مَوْضِع، ونحنُ بدورِنا استجبنَا للتوجيهات السامية، وسعينا لتطبيقها في الكثير من المُبادرات التنموية التي تُنفِّذها جريدة "الرؤية"؛ بهدف نقل الفكرة إلى المجتمع، وإبراز فوائدها العديدة؛ بما يدعم خطط التنمية الشاملة.

ولقد أولتْ مُبادرات "الرؤية" الشبابَ جلَّ الاهتمام، ومنحتهم عظيمَ التقدير، وفي المقدمة من ذلك "جائزة الرؤية لمبادرات الشباب"؛ فعلى مدى ست سنوات من العمل المستمر، سَعَت الجائزة لأنْ تُفْسِح المجالَ أمام الإبداعات العُمانية الشابة؛ كي يطَّلع عليها المجتمع، ويُدرك حجم الطاقات التي يزخر بها وطننا الحبيب، فما من ولاية من ولايات السلطنة إلا وخرَّجت شبابا مبدعا في العديد من مجالات الجائزة، وشاهد الجميع هذه المخرجات الآن تتبوَّأ مكانة رفيعة؛ فمنهم المُخترع الذي استطاع باختراعه أن يُنفِّذ أكبر المشاريع الحيوية في البلاد، والمبتكر الذي طوَّر مشروعًا تبنَّته جهات عدة في الدولة من أجل أن يُسهم في مسيرة العطاء والتنمية، والأمثلة كثيرة؛ إذ يفوق عدد الفائزين بالجائزة خلال سنواتها الست 219 فائزا وفائزة، من إجمالي 2846 تقدَّموا للمنافسة، وجميع الفائزين أبهروا لجنة التحكيم أولا ومن ثم المجتمع، بما يملكونه من مواهب وقدرات وطاقات إبداعية استحقت التتويج والشهرة.

وإذا كُنَّا نتحدَّث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العديد من المشاريع التي تعزِّز مسيرة النهضة المباركة، فإنَّ نهج "إعلام المبادرات" الذي تَسِير جريدة "الرؤية" على هديه، يجمع بين مفهوميْن شديديْ الأهمية؛ الأول: الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذا مُتجسَّدٌ في مبادرات عديدة، ويتحقق عبر شراكات إستراتيجية بين "الرؤية" والجهات المُشَارِكة في المبادرات؛ سواء كانت منتدى أو مؤتمرًا أو جوائزَ تشجيعية أو مُبادرات تنموية. أما المفهوم الثاني، والذي يرتبط من الناحية المفاهيمية مع الأول، فهو: التكامل بين مُؤسَّسات القطاع الخاص، وهي تكاملية تُؤكِّد إمكانية صِنَاعة الفارق إذا ما اتَّحدتْ الجهود، وتكاتفتْ الأيادي، من أجل الإسهام في بناء الوطن، كلٌّ حسبما تُتَاح له الإمكانيات. وهذا التكامُل يتحقق من خلال العمل المشترك على إنجاز أهداف التنمية، ودعم جهود الحكومة لمواصلة مسيرة النهضة المباركة. فلم يعد القطاع الخاص الآن كما كان في الماضي، بل أضحى أكثر فاعليَّة وتأثيرًا في المجتمع، كما لم يَعُد القطاع الخاص تجسيدًا لصورة التاجر الذي ينتظرُ المناقصات الحكومية كي يُشَارك في مسيرةِ البناء، ثُمَّ يجنِي العوائد وينتظر المناقصة الأخرى، ولكن في المقابل تحوَّل القطاع الخاص إلى خالق لفرص النمو، ولاعبٍ أساسيٍّ في توفير الوظائف للشباب، وشريكٍ أصيلٍّ في رفد ميزانية الدولة بالإيرادات، عَبْر ما يُنفِّذه من مشروعات تُسْهِم في تطوير مختلف القطاعات، لا سيما القطاعات الخدمية والتنموية.

وختامًا نقول.. إنَّ رعاية الشباب، وتنمية مَهَاراتهم، من ضَروريَّات التنمية وجوهر تقدُّمها؛ فإطلاق العَنَان لطاقات الشباب يُوفِّر بيئةً حاضنةً لهذه العقول المبدعة، كي تُنتِج وتبتكِر وتطرَح حلولًا غير تقليدية للكثير من مشكلاتنا والتحديات التي قد تُعَرقل مسيرة التقدم.

إنَّني أُنَادِي في جُموع شبابنا أنْ يهبُّوا إلى خدمة الوطن، عبر التفكير الإبداعي، والابتكار، ومواصلة البناء، والإسهام في مسيرة النهضة المباركة، وأنْ يتخلَّصُوا من الأفكار السلبية، وينطلقوا نحو آفاق من الإيجابية والنماء. كما أَدعُو مُؤسَّسات الدولة إلى أنْ تُقدِّم مزيدًا من الدعم للشباب، وأن تُتَرجم مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص؛ من أجل بناءِ أجيال من الشباب المُبَادِر المُدْرِك لرسالته الحقيقية؛ ألا وهي بناء الوطن.

فهلا مَدَدْنَا أيدينا جميعًا للشباب؛ كي يتبوَّأ المكانة التي يستحقها؟!