عُمان بحاجة إليك

خلفان الطوقي

ما إنْ تجلس في مقهى، أو تذهب إلى مجلس عام، إلا وتجد بعض المتذمِّرين من بعض الخدمات الحكومية، وعدم وصولها إلى مُستوى الطموح في نظرهم، وهذه الحالة ليست في عُمان فقط، بل تتكرَّر في كل زمان ومكان، وهذه الحالة من التجاذب بين المواطن والحكومة طبيعية وصحية، لكنَّ المختلف بين مجتمع ومجتمع هو كيفية التعامل مع هذا التجاذب، ويتباين تفاعُل كل شخص وشخص آخر مع المعاملات والخدمات الحكومية؛ فهناك من لا يستسلم، ويعيد المحاولات إلى أن تُنجَز معاملته، وهناك من يستسلم من أول مرة، وهناك من لا يُحَاول أصلا، وهناك من يستصعب المحاولة لأنَّ هناك من اشتكى الحال، ويكتفي بنقل القصص السلبية، والتذمر إلى غيره ممن يقابله، وهناك من يقابل مدير الوحدة أو المسؤول الأكبر لينقل له ما حصل له، ويقترح عليه كيفية معالجة المشكلة بتطوير الإجراءات شفهيًّا أو كتابيًّا، ومنهم من يقوم بكتابة ما حصل له في المنصة الإلكترونية التي ينشط فيها.

ما دَعَاني لكتابة هذا المقال هو تكرار ثلاث قصص في أقل من أسبوع من مجموعة من المعارف والأصدقاء عند لقائي بهم في مجالس عامة، وعندما عَلِموا أني أحد كُتَّاب الرأي، قاموا بشكوى حالهم بوجود بيروقراطية، وتدنٍّ في مستوى بعض الخدمات الحكومية، ونصحوني بتكثيف الكتابة في هذه المواضيع. تقبلت منهم وجهة نظرهم واحترمت آراءهم، وبادرت بسؤالهم عن الحوادث والحالات التي توثق البيروقراطية وتدني مستوى بعض الخدمات الحكومية، وعند تكرار عدة أسئلة لهم كعدد زياراتهم لهذه الجهات الحكومية، وما الذي قاموا به "رسميًّا" تجاه هذه الحالات؟ وما هي ردة فعلهم؟ وكيف تعاملوا مع الموقف؟ ومتى كانت آخر زيارة لهذه الجهات؟ وما هي درجة الموظف الذي قام بهذه الخدمة؟ وغيرها من الأسئلة البديهية، هنا تغيرت وجهة نظرهم وطرحهم، وبدأت نغمة الحماس بالنزول، والتشكيك الصامت في أنني مدافعٌ عن الحكومة، والحقيقة أنني لست كذلك أبدا، وإنما أحاول أن أستوعب الحالة، لنخرج بحلٍّ أو حوار مثرٍ يفيدني ويفيد باقي الحضور، وبما أن الحوار بدأ في التشتت ولم يكتمل، وتفاديا منهم لإلقاء اللوم ورفع حدة النقاش فيما بيننا، تغيَّر الحديث إلى موضوع ودي فيه الكثير من نقاط التفاهم ومناطق الالتقاء بين المتحاورين.

على العُموم، جميعنا يطمح في خدمات حكومية على أعلى مستوى، وتنجز بسرعة فائقة وجودة عالية، فمهما تطوَّرت هذه الخدمات، ستظل طموحاتنا أعلى، وهذه هي سُنة الحياة في أي مجتمع يوصف بالحيوية والديناميكة، وبالرغم من تطوُّر الكثير من الخدمات الحكومية، إلا أن الطبيعة البشرية تركز على المنغصات لأنها تعكر مزاجنا، وتستهلك الكثير من وقتنا وجهدنا، وفي هذه الأثناء نهمل الكثير من الخدمات التي تطورت وتتطور بشكل مستمر، وإن كان بشكل تدريجي لا نحسه أو يلامسنا شخصيًّا في حياتنا اليومية.

ولأنَّ المجتمع العُماني أصبحَ أكثر تعلُّما ونضجًا ووعيًا؛ لذلك أرى أن تفاعل المواطن الإيجابي مع هذه الجهات سينعكس لتطوُّر وتقدُّم وتميز، لإيماني وقناعتي الشخصية بأنَّ المواطن يجب أن يلعب دورا محوريا بأن يكون شريكا حقيقيا قولا وفعلا، ولا يوجد ما يمنعه من ذلك، وبما أننا نطالب بالحوار المستمر من الحكومة مع المواطن، فعلينا أن لا نقلل أيضا من أهمية تواصل وتفاعل المواطن مع الحكومية؛ فهي عملية تبادلية وتكاملية، وتعكس مدى الانسجام بين الطرفين، والتواصل يكمُن في أشكال كثيرة وصور متعددة، خاصة مع ظهور الطفرة التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي والبرمجيات الحديثة، فأصبح لا عذر لأحد من المواطنين خاصة المتعلمين، أن لا يتفاعل إيجابا من خلال التغريدة المتزنة، أو كتابة مقترح يعالج ثغرات موجودة، أو إبراز وجهة نظر مكتوبة لتطوير خدمة تحتاج إلى تطوير، أو المشاركة في مؤتمر كلما سمح الوقت للتحاور مع مُتَّخذي القرار أو أصحاب الاختصاص، وهناك عشرات الطرق يمكن للواحد منا أن يجدها إن أراد أن يتفاعل بشكل إيجابي مع جهة حكومية معينة.

وفي الختام، عُماننا الغالية لن تتطور أو تسمو خدماتها بالشكوى وإطلاق أحكام مسبقة أو مبنية على آراء آخرين، أو حالات مرت عليها سنون، أو التذمر ونقل السلبية من مجلس إلى مجلس آخر وندب الحظ والاستسلام مع أول منغِّص يقابلنا في طريقنا، ولكي نكون نحن المواطنين شركاء حقيقيين في سباق التنمية، فعلينا المبادرة بالفكر والجهد والمشاركة الجادة بالمقترحات وتكرار المحاولات وعدم الاستسلام مع أول رد سلبي نتلقاه، وعلينا الاختيار بين خيارين لا ثالث لهما، فإما الاستسلام والتذمر وطغيان السلبية فيما بيننا، أو تخصيص جزء من أوقاتنا وأفكارنا، وجهودنا لنكون جزءًا من الحل ووضع لبنة الخبرة والمعرفة لتكون الخدمات المقدمة لنا ولغيرنا أفضل وفي تطوُّر مستمر، الاختيار الثاني أراه إيجابيًّا وعمليًّا، وعلينا أن لا نتردد أن نكون معول بناء وتنمية، فعُمان بحاجة إلينا جميعا وبلا استثناء.