تجفيف بؤر الإرهاب عسكريًّا؟

عبيدلي العبيدلي

حتى يومنا هذا، ومنذ ما يزيد على الربع قرن، لم تتوقف أجهزة الإعلام، والغربية منها على وجه الخصوص، تتصدرها الأمريكية، عن شن هجمات متلاحقة، ومستمرة على ما أصبح يُعرف باسم الإرهاب، وتحديدا "الإرهاب الإسلامي".

ودون الحاجة للتيه في دهاليز تعريفات "الإرهاب"، والاتفاق على من هي القوى التي تموله، دعونا نحاول التركيز على من هي القوى الحقيقية التي تمده بالسلاح، بمختلف أحجامه، فهذا هو أقوى العوامل التي تؤهله لتنفيذ عملياته الإجرامية التي ذهب ضحيتها، خلال السنوات العشر الماضية، وكما تقول العديد من التقارير الرسمية، ما يزيد على عشرات الملايين من البشر النسبة الغالبية منهم من النساء والأطفال، وتشرد أضعاف تلك الأرقام في مخيمات اللجوء، كما توقفت جراء العمليات الإرهابية آلات التنمية في عشرات الدول النامية التي أهدرت مواردها الطبيعية والبشرية، التي هي في أمس الحاجة لمواجهة الإرهاب والتصدي لعملياته الإجرامية.

لكن قبل التقدُّم خطوة في هذا الاتجاه، ينبغي الجهر بشجب الإرهاب والدعوة لمواجهته، مهما كانت المبررات التي تسوقها القوى التي باتت تقف وراءه، مُشددين هنا على استثناء الحركات التحررية؛ مثل: منظمة التحرير الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، التي تُدافع عن حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني، وتواجه كيانا هو من يُمارس الإرهاب، ويضَّطرها لمواجهته بعلميات تبدو في شكلها إرهابية، لكنَّها في جوهرها تدافع عن مُطَالب شعب لا يختلف اثنان على أنه اضطر لحمل السلاح دفاعا عن أبسط حقوقه في العيش.

وإذا كان لا يُوجد اثنان يختلفان على أن الأيديولوجيا، والفكر الديماغوجي هو من يقف وراء تنظيم تلك الفئة الشابة من المجتمع، المُغرَّر بها ممن انتظم أفرادها في صفوف الحركات الإرهابية، فينبغي لنا هنا أيضًا، وبالدوافع ذاتها الراغبة في قطع دابر الإرهاب، أن نبحث عن المصادر الرئيسية التي تمدُّ هؤلاء الشباب بالأسلحة الفتاكة التي يستخدمونها في عملياتهم الإجرامية. فمثلما تعلو الأصوات منادية بتنشيف "المسنقعات الفكرية الإرهابية"، كذلك ينبغي أن ترتفع الأصوات المنادية بإغلاق مصانع السلاح التي تضع بين يدي من أغوتهم منابع الفكر الإرهابي، ما يحتاجونه كي يقوموا بعملياتهم الإرهابية.

ولو عُدنا إلى مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهي الفترة التي شهد فيها العالم أكبر عمليات إرهابية وأشدها تدميرا، والتي تمظهرت على نحو واسع ومتواصل في منطقة الشرق الأوسط، فسوف نكتشف -وكما تقول أرقام- انتعاش تجارة السلاح واتساع نطاق أنشطتها؛ إذ تكشف "الأرقام والإحصائيات عن سيطرة أمريكية-روسية على سوق السلاح العالمية".

ووفقا لما ورد في تقرير أصدره معهد استكهولم الدولي لبحوث السلام في تلك الفترة، فإن "أكبر شركات السلاح في العالم، وفقا لمبيعاتها خلال العام 2012، شملت قائمتها أكبر مائة شركة، بلغت مبيعاتها جميعا 395 مليار دولار. ومن بين أكبر 100 شركة، هناك 44 شركة أمريكية، و10 شركات بريطانية، و9 شركات فرنسية، و8 شركات إيطالية، و7 شركات روسية، و4 ألمانية، و5 كورية جنوبية، و3 إسرائيلية، إلى جانب شركات كندية وبرازيلية وأوروبية أخرى".

 وعلى نحو مواز، كشف تقرير "نشره موقع "ستاتيستا" الأمريكي المعني بالشؤون العسكرية والدفاعية، أن حجم الإنفاق العسكري في العالم أجمع ارتفع بنسبة تساوي 150%، مقارنة بحجم الإنفاق العسكري قبل 16 عاما، مشيرا إلى أن العالم كان ينفق أكثر من 1.1 تريليون دولار عام 2001، بينما وصل حجم الإنفاق العسكري العالمي عام 2016 إلى نحو 1.69 تريليون دولار. ووصل حجم ما أنفقه العالم على شراء الأسلحة في الفترة بين عامي 2001 و2016 إلى أكثر من 24.5 تريليون دولار. ووفقا لموقع "ستاتيستا" فإن حجم الإنفاق الدفاعي العالمي ظل يتزايد تدريجيا منذ عام 2001 بنسبة 1% تقريبا كل عام، حتى وصل إلى ذروته عام 2011، مشيرا إلى أن حجم الإنفاق العسكري العالمي في ذلك العام وصل إلى 1.7 تريليون دولار".

وما تتفق عليه مراكز الأبحاث التي ترصد نمو صناعة السلاح وأسواق ترويجه هو تصدر "الإنفاق الدفاعي في الولايات المتحدة، وهو الأعلى عالميًّا.. تنفق الولايات المتحدة ما قيمته 682 مليار دولار على عالم الأسلحة بكل ما يحتويه، ما يوازي 4.4 من الناتج المحلي الأمريكي".

وعلى هذا الأساس، فإن "من ضمن أكبر عشر شركات عالمية لصناعة السلاح تمتلك الولايات المتحدة سبعًا منها. تتربع لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) الأمريكية، على رأس قائمة الشركات العالمية، بمبيعات سنوية تتجاوز الـ36 مليار دولار، تتبعها عملاق صناعة الطائرات (Boeing) بـ32 مليار دولار تقريبًا وهي أمريكية أيضًا".

وعلى مستوى المنطقة العربية، وكما تعترف المصادر الأمريكية ذاتها، فإنَّ "إجمالي ما أنفقته الولايات المتحدة على مدار أكثر من عشر سنوات على غزو العراق فقط وما تبعه يوازي 4.44 تريليون دولار، وهو الرقم الذي أعلن أوباما أنه تريليون دولار وقدره معهد واطسون للدراسات الدولية بجامعة براون بأربعة أضعاف هذا الرقم.وفي 2012 فقط، بلغ ما ضخت الحكومة الأمريكية لتمويل العمليات الجارية في العراق وأفغانستان 1.38 تريليون دولار، نصف هذه التكاليف على الأقل كانت أرباحًا ونفقات صناعات دفاعية وأسلحة، وهي أرقام كفيلة بالقضاء التام على الفقر في العالم لأنه، بحسب تقديرات جولدمان ساكس، فإنَّ الفقر يُمكن أن ينتهي من العالم بإنفاق 175 مليار دولار سنويًا لمدة عشرين عامًا مقبلة، وهو رقم يوازي الميزانيات الدفاعية للخمس دول الكبرى في العالم لثلاث سنوات قادمة فقط، لكن العالم ليس بهذه المثالية قطعًا".

إذن، وفي سياق تنامي دعوات مواجهة الإرهاب، نلفت إلى ضرورة أن تشمل تلك الدعوات محاربة من يمولون أسواق السلاح ويروجون منتجات المصانع التي تمد تلك الأسواق بما تحتاجه. فمتى ما توقفت إمدادات السلاح، لن تجد الأيدي الإرهابية الأدوات التي تساعدها على تنفيذ عملياتها الدموية، وستنقطع عن القوى التي تقف وراءها قنوات إمداداتها بالأرباح الخيالية التي تحققها من وراء سفك دماء الأبرياء.

تجفيف منابع الفكر الإرهابي يتطلب قطع قنوات تمويله عسكريًّا!