في الشهادات الهندسية.. التزوير خسّرنا الكثير

خميس الصولي

أفكار ومقترحات وتطلعات طموحة يطرحها المشاركون في أعمال المؤتمر الهندسي العربي الثامن والعشرين بمسقط لتقييم "أثر التعليم الهندسي في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة". وأسعدني أن امتدت المناقشات إلى ما هو أكثر عمقا من تقييم مدى تطور المحتوى الأكاديمي بالكليات الهندسية؛ في ظل الحديث عن حلقة الدراسة قبل الجامعية وأثرها في جاهزية طلاب السنة الأولى بكليات الهندسة لدراسة الرياضيات والفيزياء وغيرها باللغة الإنجليزية؛ واستعدادهم للتطبيقات العملية بعد سنوات من الاعتماد على الحفظ والتلقين في مواد دراسية تعتمد بالدرجة الأولى على التطبيق ثم التطبيق.

لكن على الجانب الآخر؛ يشغلني وغيري أمر بالغ الخطورة؛ يضرب بمنظومة التعليم الهندسي وتوابعه عرض الحائط؛ وهو تزوير الشهادات الهندسية ذاتها؛ بل يضرب وبقوة في أساس قطاع من أهم القطاعات الاقتصادية في بلدنا الحبيب؛ وفي كل بلد؛ وهو ما استدعى صدور المرسوم السلطاني رقم 27/‏‏‏2016 بتنظيم عمل المكاتب الاستشارية متضمنا 35 مادة؛ منها إسناد مهمة فحص شهادات وخبرات العاملين في المكاتب الاستشارية، وتدقيق وتصنيف شهادات المتقدمين للحصول على التراخيص لممارسة المهنة، إلى جمعية المهندسين العمانية.

وما صدور مرسوم سلطاني في هذا الشأن إلا تعبيرًا عن إدراك تام لخطورة الموقف؛ ولم يكن من الصدفة أبدا الإعلان قبل نحو شهرين من صدور المرسوم السلطاني عن كشف 1250 حالة تزوير في الشهادات والمؤهلات العلمية بالتعاون بين دائرة معادلة المؤهلات والاعتراف بوزارة التعليم العالي ووزارة الخارجية.

وتزامن صدور المرسوم مع بدء اعمال الجمعية لإعداد استراتيجية للسنوات العشر المقبلة للنهوض بمستوى أدائها وإبراز دورها لتقديم خدمات واعدة للمجتمع في المجال الهندسي؛ وليس من المبالغة في شيء القول بأنّ الالتزام بإنجاز المهمة المسندة إليها بموجب المرسوم السامي يجب أن تأتي على رأس أولويات هذه الاستراتيجية؛ وربما لذلك سارع معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة حينها إلى حث أعضاء مجلس إدارة جمعية المهندسين على سرعة إنجاز هذه المهمة في أسرع وقت ممكن وباحترافية تليق باسم الجمعية وشرف المهنة.

ومن جانبها تعهدت الجمعية بالتنسيق مع الاتحاد الهندسي الخليجي للاستفادة من تجاربهم في هذا المجال. وفي سبيل ضمان نجاح مهمة مراجعة الشهادات والخبرات على نطاق شامل؛ عبّرت الجمعية عن أملها في أن يصدر معالي الشيخ وزير القوى العاملة قرارا يتيح للجمعية مراجعة شهادات المهندسين العاملين في باقي أنشطة القطاعات الإنشائية والخدمية.

وبعد أكثر من عامين ونصف العام على صدور المرسوم السلطاني؛ هل من تقييم جاد ومحايد لمستوى تعاون كافة الأجهزة المعنية مع جمعية المهندسين العمانية لإنجاز المهمة؟ هذه المهمة التي من شأنها أن تحمي سمعة التعليم الهندسي؛ بل وقطاع التعليم برمته؛ وأن تقطع الطريق أمام هؤلاء المزورين والمتسلقين ومُدعي العلم حتى لا يكونوا معول هدم على المدى البعيد يضرب الاقتصاد من أساسه؛ وأن تفضح هؤلاء الذين ينظرون إلى "لقب مهندس" باعتباره بوابة لامتيازات مادية ووجاهة اجتماعية فحسب؛ يطمعون في اللقب بلا جهد أو كفاءة؛ فيدفع الجميع ثمن تطلعاتهم غير المشروعة على المستويات كافة.

وختاما؛ أتمنى أن تشمل مناقشات المؤتمر الهندسي العربي هذه القضية في أي من محاورها؛ وأن تصدر توصيات قابلة للتطبيق فورا تعين الجمعية في أداء مهمتها؛ وتسهم في تعزيز تعاون الجهات المعنية – وعلى رأسها وزارة القوى العاملة – مع الجمعية لإنجاز المهمة بشكل مشرّف للجميع.

تعليق عبر الفيس بوك