الإنترنت يدمر أسرنا وأولادنا وأجيالنا

د.يحيى أبوزكريا

أكثر من مؤسسة وهيئة وجمعية قرعت ناقوس الخطر للتنبيه إلى أضرار الإنترنت على أجيالنا العربية، لقد أصبح الإنترنت ينبوعا فكريا سلبيا تتسرب عبره ثقافات عديدة وافدة تمثل خطرا على عادات وتقاليد المجتمع خاصة لدى المستخدمين الذين لا يملكون الوعي والعمق الثقافي الكافيين لتحقيق الحصانة.

وبسبب الشبكة العنكبوتية أصبح التفكك الأسرى سيد الموقف في معظم البلاد العربية وأصبح كل فرد في الأسرة أمام وسيلة اتصاله بالإنترنت لوقت طويل يصل إلى حد عدم جلوسهم واجتماعهم مع بعضهم البعض كما يجتمعون بمعشوقهم الأول الإنترنت وأصيب الأمن المجتمعي في مقتل حيث أصبح الإنترنت أحد أهم الوسائل للتأثير السلبي على الشباب، تصل إلى حد تجنيدهم ضد مصالح بلدانهم وتحولهم إلى جواسيس لجهات عدوة تسخر الشباب العربي عبر الإنترنت... ناهيك عن أن الإدمان على الإنترنت (Internet Addiction) ينتج الكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية من فقدان التفاعل الاجتماعي واكتساب العادات السيئة والتعرف على الساقطين أخلاقياً من الجنسين، والأخطار الأخلاقية تتزايد حيث الشبكة العنكبوتية مفتوحة على الإباحية والسقوط بشكل كبير، وقد أكدت دراسات علم النفس التربوي أنَّ إدمان الحاسب يؤدي لعاهات دائمة عند الأطفال، وأصبحت الشبكة العنكبوتية تهدد أمن المجتمع، وصارت تستخدم من قبل البعض للتأثير في فكر الشباب بصورة سلبية ظلامية، فالتكفير والإلحاد والإباحية وعبادة الشيطان والشذوذ وبيع المخدرات ودروس الإرهاب والتفجير بات ميدانها الإنترنت وهو الأمر الذي عمَّق الأزمات الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي ..وقد خرجت إحصائية ترصد عدد المشاهدين للأفلام الإباحية على مدار 10 سنوات منذ 2007  وحتى عام 2017، وكانت المُفاجأة صادمة حيث سجل موقع واحد للأفلام الإباحية حوالي 28.5 مليار زيارة بزيادة قدرها 5.5 مليار زيارة عن عام 2016 ..والعجيب أن العشرين دولة التي تقع في رأس القائمة وتصدر قائمة متابعة الأفلام الإباحية كلها تقع في العالم العربي والإسلامي، وللأسف فإنَّ هذه الإحصاءات تشير إلى ارتفاع المشاهدة الإباحية من عرب ومسلمين في شهر رمضان.

إنَّ كثرة ارتياد الأزواج لهذه المواقع وعدم اهتمامهم بحياتهم الواقعية الطبيعية يجعلهم ينغمسون أكثر في كل ما هو افتراضي، هروباً من الواقع وبحثاً عن حياة أفضل وصورة جيدة في أذهان الأصدقاء، فمثلاً ذكرت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية أن رسائل "واتس آب" تسببت في 40% من حالات الطلاق في إيطاليا، وفقًا لتقديرات جمعية محاميي الزواج الإيطاليين. فإنني وبعد مراجعة شخصية للقضاة في المحاكم الشرعية والقضاة الشرعيين أكدوا لي أنَّ 80 بالمائة من حالات الطلاق بسبب فيسبوك وتويتر ووسائط الاتصال الأخرى. وبظهور وسائل التواصل الاجتماعي ظهر مصطلح الخيانة الرقمية والتي حققت أرقاما قياسية في الطلاق والخيانة والفساد الأخلاقي وقد خرج جهاز التعبئة العامة والإحصاء بمصر بدراسة تشير إلى أنَّ ‏40‏ ألف حالة من حالات الطلاق التي شهدتها مصر العام الماضي كان سببها انشغال الزوج عن زوجته من خلال موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، فكان لنا أن ننتبه أكثر لهذه الظاهرة ونبحث وراءها وبالفعل تحدثنا مع بعض متضرري علاقات فيسبوك التي تسببت بشكل مباشر في خراب بيوتهم‏.

وتقول الدكتورة ملك الرشيد الأستاذة في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت «إن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت شيئاً فشيئاً تسحب البساط من تحت التواصل الاجتماعي الإنساني المباشر، وبدأت تستحوذ على نسبة كبيرة من وقت مستخدميها»، مرجعة أسباب نيل تلك الأفضلية لبرامج التواصل على التفاعل المباشر إلى «قلة الجهد والوقت وكم الالتزام المطلوب بين طريقتي التواصل من جهة، إضافة إلى مميزات برامج التواصل المختلفة التي تتطور يوماً بعد يوم بمزايا وقدرات أكبر تجعل من الصعب على مستخدميها الاستغناء عنها، حتى إن عوامل الجذب في تلك البرامج أصبح بالإمكان اعتبارها أحد عناصر الإدمان التي تؤثر سلباً على سير حياة الشخص الطبيعية وتوافقه مع التزامات مسؤولياته اليومية وواجباته نحو عمله والأشخاص المقربين منه سواء أسرته أو أصدقائه أو أقاربه.

وفي السعودية أظهرت الدراسات أنّ دخول الإنترنت إلى البيوت ساهم بشكلٍ كبيرٍ في ارتفاع نسبة الطلاق فأصبحت الكمبيوترات المحمولة والهواتف الذكية بمثابة ضرّة للزوجات لاستطلاع هذه الظاهرة الاجتماعية، قامت الدكتورة الجوهرة بنت فهد آل سعود، وهي الوكيلة المساعدة للشؤون التعليمية بوكالة كليات البنات، ببحثٍ علميٍّ حول "التأثير السلبي للإنترنت على مشاكل النزاع الأسري الذي يؤدي إلى الطلاق".

وتبين من خلال هذا البحث أن معدّلات الطلاق في المملكة قد زادت بشكلٍ ملحوظٍ خلال السنوات الأخيرة، لاسيما في العاصمة الرياض وأن حوالي 24% من حالات الطلاق كانت بسبب استعمال أحد الشريكين للإنترنت "بالشكل السيئ" من خلال الدخول إلى مواقع الدردشة والتعارف وتعلّق الباحثة على ذلك بأنه في حال "أدمن" أحد الزوجين ارتياد هذا النوع من المواقع، فإنّه سوف يقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والانفعالي والصحي بين الزوجين، الأمر الذي يتسبب بنزاعٍ أسريٍّ، يؤدي في غالب الأحيان إلى الطلاق.