كائنُ الظلام


لميس الزين | سوريا

قبلَ أن أحدّثَك عنّي عليكَ أن تؤمنَ أنَّا في حياةٍ أخرى، زمنٍ فائتٍ أو آتٍ، قد عاشَ أحدُنا على هيئةٍ غير تلكَ التي هو عليها؛ فلربَّما تلبَّسَ جسدَ رجلٍ، امرأة، حيوان، نبات، أو حتى حجر.
لا أعرفُ لي هويّةً مؤكَّدةً ولا تصنيفاً موثَّقاً، وإلى أن نتّفقَ على توصيفِ، سمّني إن شئتَ الرجلَ الوطواط تيمُّنا ببطلِ الفيلم الشّهير.
أعيشُ في قبوٍ مهجورٍ يعبقُ برائحةِ الرّطوبة والعفَن، ويعزفُ الصَّمتُ فيه مقطوعةً مضبوطةً بخربشاتٍ إيقاعيّة لقوارضَ لا تُرى لانعدام النُّورِ، مصدرُ الإنارة اليتيم كوَّة تستوي من الخارج مع أرضِ الزقاق.
لم أحتجْ النور منذُ أن كنتُ نطفة، فقد استطعتُ تطويرَ قدرتي على الرُّؤية في العتم، وتلك هي ثاني مَهاراتي؛ الأولى عرفتُها من خلال حلمٍ يراودُني إذ نصبَ لي رجلٌ يُدعَى والدي عارضةً معدنيّة لأتعلَّقَ بها في محاولةٍ يائسةٍ للتغلُّب على قزامتي. سرعانَ ما اكتشفتُ طريقةً أمثل لاستخدامها. يكفي أن يحتضنَ باطنَ ركبتَيَّ تلكَ العارضة ليتدلّى جسدي في حالة من الاسترخاء الفريد، ويصبحُ المحيطُ في وضعٍ سويًّ إذ أنظرُه برأسٍ مقلوبٍ.
أمَّا عن الحيّ فهو هادئٌ كقبر، في كلِّ صباحٍ تحدثُ فيه جريمة، يتأمَّلُها الناسُ لبضعِ دقائقَ، ويواصلون السَّير وقد اتّفقوا أنّني الفاعلُ. أوافقهم الرأيَ على الرغم من أنّي لا أجزمُ مُغادرَتي لجحري هذا يوماً، ولستُ مُتيَقّناً إنْ كنتُ كائناً أو أنَّكم موجودونَ وتقرؤونَ قصَّتي.
سيقولُ قائلٌ:"أنتَ مُجرَّدُ خفّاشٍ". . ويخمِّنُ آخرُ أنّي عصابيٌّ واهمٌ؛ أما أنت، فستنظر الآن مليًّا في مرآة نفسك لتكتشف أي كائن كنتَه في الحياة الأخرى.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك