الإشادة النبوية بعُمان.. شرفٌ ومسؤولية

 

نجاة بنت صالح الكلبانية

 

يروي الصحابي الجليل أبو برزة رضي الله عنه فيقول : (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرَهُ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ) رواه مسلم.

مدْح الرسول الكريم لأهل عمان هو شرفٌ وفخرٌ حفظه التاريخ للعمانيين وتناقلته الأجيال العُمانية وستتناقله إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. ولكن شهادة رسول الله تتعدى المديح الذي نذكره بين الحين والآخر ونتفاخر به وحُقَ لنا- أمام غيرنا من الشعوب- تتعدى ذلك لتصبح مسؤوليةً عظيمةً تقع على العمانيين جيلاً بعد جيل.

فرسول الله لم يقل لو جئت عبد وجيفر ابني الجلندى - وقد كانا حاكمي عمان في عصر النبي حين أرسل لهما رسوله عمرو بن العاص حاملاً لهم رسالته عليه الصلاة والسلام ودعوته لهما وأهل عمان أجمع بالدخول للإسلام، وإنما ذكر رسول الله أهل عُمان على وجه العموم.

وتنطوي هذه المسؤولية على محافظة أهل عمان على هذا المستوى من الأخلاق الذي جعل نبينا الحبيب يمنحنا تلك الشهادة العظيمة والفضل الذي لا يُضاهيه فضل وكيف لا وهذه شهادة الحبيب المصطفى الذي وصفه الله تعالى بأنه على خلقٍ عظيم.

والمسؤوليةُ اليوم ومستقبلاً ستصبح أكثر صعوبة فنحن أصبحنا محاطين بعالم منفتح وبإغراءات متعددة ومن جهات مختلفة فقد انتقلت يوميات الأجيال الشابة في وقتنا الحالي وبشكل كبير للعالم الافتراضي بحيث أصبح وجودهم في العالم الحقيقي يقل يوماً بعد يوم بل ولربما أصبح العالم الافتراضي ومستخدموه هم أصحاب التأثير الأكبر على سلوكيات شبابنا. ولذا أصبحت المسؤولية تتطلب أكثر من مُجرد أن نذّكر الأجيال الشابة بشهادة رسول الله وأن نتوقع أن يكون لهم نفس رد الفعل الذي شهدناه واعتدناه من الأجيال السابقة.

أصبح من السهل اليوم على هؤلاء الشباب أن ينساقوا متأثرين بسلوكيات ظهرت كثيراً في فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي في ظل وجود وضع اجتماعي أصبحت تسوده قلة التواصل الأُسَري وانحسار دور الأهل والمدرسة في التركيز على التربية الأخلاقية غير مدركين ربما للتغيير الذي طرأ على الأسرة كوحدة وتناقص مستوى التواصل بين الأب والأم وبينهما وبين الأبناء وبين الأبناء فيما بينهم وبين الأسرة الصغيرة وبين أفراد الأسرة الممتدة وبين الأسرة والجيران.

كما أصبح من السهل كذلك أن تتشكل لدى شبابنا تلك الفكرة المغلوطة عن كيفية الرد على هجوم أحدهم على بلدك أو شعبك أو تاريخ بلدك دون استشعار عميق منهم ما تمثله لنا نحن العمانيين شهادةَ رسول الله بحسن خلقنا وترّفُعِنا عن سب وأذى الآخرين حتى ولو بدأ هؤلاء بالأذى. تحتاج الأجيال الشابة أن تعي أن ترّفُعِنا عن الرد لا يعني ضعفاً وإنّما ينمُّ عن خُلقٍ رفيع لا يستوعبه من لايملكه. نريد أن نرسخ لدى شبابنا أنَّ القوة لا تعني سلاطة اللسان وبذاءة القول حتى وإن كنت ترد على بذيء.

ربما يعتبر من المسلمات أن أخلاق العمانيين وسمعتهم الطيبة التي حظوا بها بين الشعوب المجاورة هي أهم ثروة يمتلكها العمانيون كما أنّها تمثل عامل جذب كبير للسياح فعُمان استطاعت أن تكون محط أنظار العالم ليس بسبب ناطحاتها المتخذة من السحب أسقفاً وليس بسبب تعدد مراكز التسوق وليس بسبب مهرجاناتها ذات السمعة العالمية ولكنها حققت المكانة التي حققتها بأخلاق أبنائها بدءاً من حكمة وحنكة سلطانها وجهوده الحثيثة والمعروفة عالمياً في الوساطات الدولية الهادفة لنشر السلام وانتقالاً إلى سماحة أهلها وبشاشتهم وكرمهم وحسن ضيافتهم للجميع ونأيهم بأنفسهم عن الطائفية، أحد أبرز أوبئة العصر الحديث التي عصفت بكثيرٍ من المجتمعات أضف إلى ذلك ترفعنا نحن العمانيين عن التدخل في شؤون الآخرين.

واليوم أصبحنا كمجتمع ملزمين بتعزيز الهوية العمانية وبتوجيه الأجيال الشابة لإدراك ماهية القيم والأخلاق العمانية التي كانت أساساً لبناء السمعة العمانية إقليمياً ودولياً ومن ثم تعزيز عملية تطبيق هذه القيم والأخلاق لضمان استمرارية وجودها في الأجيال العمانية الحالية والمستقبلية فالأخلاق إن لم تجد تعهداً تذبل فتضعف وتموت. الأخلاقُ تحتاج أولاً من يغرسها في النشء ومن ثم يتعهدها بالرعاية لتترسخ في أنفسهم فتصبح جزءاً منهم لتكون بعد ذلك هي المرجع في أفعالهم وأقوالهم. وهذه مسؤولية لا تقع على عاتق الأبوين - وإن كانا هما المسؤول الأول- ولكن يشترك في المسؤولية المؤسسات الأكاديمية والاجتماعية والإعلامية أيضاً. فكما يقول المثل الأفريقي "نحتاج لقرية كاملة لتربية طفل". فتربية أجيال المستقبل في ظل الغزو المعلوماتي وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي هي مسؤوليتنا جميعاً.

 

تعليق عبر الفيس بوك