90 يوما "بلا عصا سحرية"

هدنة "الحرب التجارية" بين الصين وأمريكا.. كلمة للسياسة وكلمتان للاقتصاد

 

 

  • "واقعية" الإعلام الصيني تلزمه بالترحيب الحذر.. و"الأمريكي" يروّج لخضوع بكين

 

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي

 

لا تحتاج وجبة عشاء مكونة من اللحم الأرجنتيني والفطائر لأكثر من ربع ساعة لأكلها؛ لكن ما دامت طاولة العشاء تجمع على جانبيها قائدي أكبر حرب تجارية على مستوى العالم في السنوات الأخيرة؛ انتظر العالم كله ساعتين لينهي الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني تشي جين بينغ عشاء عمل في ختام قمة العشرين بالأرجنتين؛ أملا في معرفة نتائج اجتماع سيحدد "ماذا سيأكل" ملايين العمال والموظفين والمصدرين والمستوردين خلال السنوات المقبلة؛ في الصين والولايات المتحدة؛ وكثير من دول العالم. ساعتان من الترقب؛ انتهيا إلى إعلان "وقف إطلاق نار" الرسوم الجمركية بين عملاقي الاقتصاد العالمي؛ لكن مع مزيد من الانتظار لنتائج مباحثات اقتصادية وسياسية يُفترض أن تنتهي قبل 90 يوما كحد أقصى.

وفي أول تحرك إيجابي في مسيرة التسعين يوما؛ قالت وزارة الخارجية الصينية أمس إنّ الرئيسين الصيني والأمريكي أصدرا توجيهات للمسؤولين المعنيين بالاقتصاد في البلدين للعمل صوب إلغاء جميع الرسوم الجمركية. وفي المقابل؛ قال ترامب إنّ الصين وافقت على "خفض وإلغاء" التعريفات الجمركية على السيّارات الأمريكية لأقل من مستوى الأربعين في المئة التي تفرضها بكين حاليا على المركبات الأمريكية الصنع؛ في خطوة تستهدف إعطاء دفعة إيجابية للمفاوضين من الجانبين.

وبطبيعة الحال انعكست هذه الأنباء على المؤشرات الاقتصادية فورًا؛ ارتفع المؤشر نيكي القياسي في بورصة طوكيو للأوراق المالية أمس لأعلى مستوى في 6 أسابيع بعد إعلان تفاصيل الاتفاق الصيني الأمريكي، كما ارتفعت أيضًا أسعار النفط 5 بالمئة أمس تفاؤلا بالاتفاق وتزامنا مع اجتماع أوبك الخميس المقبل، والذي من المتوقع أن يسفر عن خفض للإمدادات بهدف كبح فائض الإنتاج الذي دفع أسعار النفط للهبوط بمقدار الثلث منذ أكتوبر.

حالة التفاؤل التي سادت بمجرد إعلان التوافق بين الولايات المتحدة على عدم زيادة الرسوم الجمركية على سلع صينية من 10% إلى 25% بداية من مطلع يناير المقبل، وموافقة الصين على شراء كمية "كبيرة للغاية" من المنتجات الزراعية والصناعية والطاقة وغيرها من المنتجات الأمريكية، واتفاق الجانبين على بدء مباحثات بشأن كيفية حل قضايا تهم البلدان من بينها حماية الملكية الفكرية والحواجز التجارية غير الجمركية والسرقة الإلكترونية؛ لخصها المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودولو بوصفه عشاء العمل الرئاسي الأخير بأنّه "عشاء جيد جدا"، وإن لم يخل الأمر في النهاية من نبرة تهديد خفية في إعلان البيت الأبيض: (إذا لم يتمكن الطرفان في نهاية الـ 90 يوما من التوصل إلى اتفاق، ستزيد الرسوم بالنسب المقررة فورا).

ولأن نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، سبق وتوعد الصين بمزيد من الرسوم الجمركية إذا لم "تخضع" بكين للمطالب الأمريكية؛ تناول قطاع من الإعلام الأمريكي الاتفاق الأخير باعتباره "خضوعا" من الصين بالفعل؛ بينما في المقابل أبدت وسائل الإعلام الرسمية الصينية "ترحيبا حذرا" بالهدنة التي اتفقت عليها الصين والولايات المتحدة في حربهما التجارية قد تساعدهما على حل خلافاتهما بشكل ودي، لكن أضافت أنّ تحسن العلاقات بشكل دائم يعتمد على مدى "صدق" الولايات المتحدة. والمعني ذاته ورد في مقال لوكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" معتبرا أن التوافق الجديد يُظهِر أنه مادام الجانبان صادقين فسيكون هناك مخرج.

الحذر الإعلامي الصيني يظهر بصورة واضحة في المعالجة الصحفية التي تبنتها صحيفة جلوبال تايمز الشعبية التي تصدرها صحيفة الشعب الرسمية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم، والتي ركّزت على ضرورة أن تتحلى توقعات الناس بالواقعية، حيث قالت في مقال افتتاحي: "على الشعب الصيني أن يتذكر أنّ المفاوضات التجارية الصينية الأمريكية متأرجحة. رؤية الصين الواسعة للإصلاح والانفتاح تدرك أنّ بقية العالم يفعل الأمور بشكل مختلف.

وبالنبرة ذاتها؛ قالت صحيفة تشاينا ديلي الصينية الرسمية في مقالها الافتتاحي إنّه على الرغم من أنّ "التوافق الجديد" تطّور يستحق الترحيب ومنح الجانبين متنفسا لحل خلافاتهما فليست هناك "عصا سحرية" تسمح بإنهاء خلافاتهما فورا، وفي ضوء تعقد التفاعل بين الاقتصادين سيظل باقي العالم يحبس أنفاسه". كما دعت الوكالة الصينية "شينخوا" الجانبين إلى اتخاذ خطوات فورية لمعالجة المخاوف وإعادة العلاقات التجارية والاقتصادية إلى مسارها الطبيعي، لكنها حذرت من أنه مازال أمامهما "طريق طويل يتعين قطعه قبل إمكان تحقيق أي شيء جوهري".

وحتى انتهاء 90 يوما من الحيرة بين الإفراط في تفاؤل "العصا السحرية"؛ وواقعية "الطريق الطويل لبلوغ أي شيء جوهري"؛ ينتظر الصينيون والأمريكيون؛ وينتظر العالم معهم.

تعليق عبر الفيس بوك