الجنسانيّة في التراث العربي

 

محمد علي العوض

 

هل سيأتي يوم نكتب فيه على الغلاف "هذه الرواية أو الديوان يحتوي عبارات ومشاهد جنسية حادة" أسوة بما يكتب في مقدمة "تتر" الأفلام المترجمة للعربية..؟ فكثير من الروايات العربية تمّ وصمها بأنّها خادشة للحياء والذوق العام لاحتوائها محمولات جنسية مثل رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري أو "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ أو "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح وغيرها من الروايات وإن تفاوتت درجة وضوح تلك المحمولات وإيحاءاتها خلافاً لرواية "أهل الهوى" لهدى بركات، والتي جاءت معبرة بصورة مبالغ فيها عن النزعة "الجنسانية" في السرد الروائي؛ حيث تقابلك جملا "ايروتيكية" واضحة على شاكلة: "يمدون أيدهم إلى عضوي ضاحكين. وحين أستره سريعًا بيدي الاثنتين يقولون لي ماذا تخبئ؟" وتصف فيها المطربة المصرية أم كلثوم بالقول: (ثدياها كبيران لكن رقبتها غليظة لتستطيع احتواء حنجرتها، ولأنّ صوتها أكثر من جنس واحد فهو يطلع حتى قبة الرحم، ويهبط حتى بئر الخصيتين)..

وحقيقة الأمر أنّ اللّغة الإيروتيكيّة ليست مستحدثة في المكتبة العربية؛ وإن حملت حديثا نسقا غربيا جديدا؛ فتاريخ الأدب العربي بشقيّه الشعري والسردي لم يخلُ من أدب الجنس والوطء والشّذوذ، فثمة كتب تناولت موضوعاتها الرئيسية العلاقات الجنسية بشكل بواح، وبأساليب تنوّعت بين الأدب والعلم، واستخدمت ضمن محتواها مفردات جنسية صريحة تصنف عند العوام بلغة اليوم تحت بند "الخادشة للحياء". ومن أشهر تلك الكتب "نواضر الأيك" للإمام جلال الدين السيوطي، وهو عبارة عن ملخص لكتاب آخر هو "الوشاح في فوائد النكاح"، لم يجد فيه المؤلف حرجا في تسمية أعضاء الجهاز الجنسي للذكر والأنثى بأسمائها المستخدمة في كلامنا العام. ونحى في كتابه الآخر "رشف الزلال من السحر الحلال" ذات المنحى حين استعرض تجربة "ليلة الدخلة" على لسان عشرين عالماً مسلماً.

أمّا كتاب "نزهة الألباب" لشهاب الدين أحمد التيفاشي والذي يعد من أهم مراجع الباحثين في التراث الجنسي العربي في القرن السابع الهجري فقد تناول طبقات القوادين والزناة وأساليب عملهم واتصالهم. وهناك أيضا كتاب "رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه" لأحمد بن سليمان، والذي ألفه بأمر من السلطان العثماني سليم الأول، وقدم فيه خلاصة التراث الجنسي في عصور العرب السالفة.

ويضم كتاب "تحفة العروس ومتعة النفوس" لأبي عبد الله التيجاني وأحد أئمة المذهب المالكي 25 فصلا خصصها للحديث عن معاشرة النساء، وصفة أعضائهن من حسن وقبح، وحقوق المرأة على الرجل، وأفرد فيه مساحة للطرائف المتعلقة بالنكاح.

وتحدث أبو عبد الله محمد بن محمد النفراوي في كتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر" عما هو محمود ومذموم عند النساء والرجال، وعمّا يعطر أعضاء النساء ويكبر أعضاء الرجال، وعن العقم والحمل وأسباب الشهوة. ويصف فيه المرأة التي كانت تفضلها المخيلة العربية بقوله: "... محمرة الشفائف واللسان، طيبة رائحة الفم والأنف، طويلة الرقبة، غليظة العنق، عريضة الصدر، واقفة النهود ممتلىء صدرها، معقدة البطن وسرتها واسعة، عريضة العانة، ممتلئة لحماً من العانة إلى الأليتين، ضيقة الفرج، ليس فيه ندوة، رطب سخون تكاد النار تخرج منه، غليظة الأفخاذ والأوراك ذات أرداف ثقال، وخصر جيد، واسعة المخرم، كبيرة الردف".

 كذلك لم يخل كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسي، و"الأغاني لأبي فرج الأصفهاني" من هذا المنحى الجنساني. بل إنّ الأول احتوى ألفاظًا صريحة تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

ونتلمس في ثنايا قصص ألف ليلة وليلة أنّ النساء كنّ مولعات بالغلمان، خاصة السود منهم، وترد فيها حكايات عن نساء كن ينشدن ممارسة الجنس مع المتسولين، بجانب حكايات السحاق وممارسة الجنس مع البهائم.

وفي كتاب "الطب النبوي" يتحدث ابن القيم عن المرأة ويقول: "جماع المرأة المحبوبة في النفس يقل إضعافه للبدن مع استفراغه للمني، وجماع البغيضة يحل البدن، ويوهن القوى مع قلة استفراغه".

أّما جدارية الشعر العربي فقد شغلت الأنثى فيها حيزا كبيرا؛ غزلا وإلهاما وشبقا تحت وطء القوافي، ومن هذا شعر امرئ القيس الذي وصف إحدى علاقاته النسائية بقوله:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ** فألهيتها عن ذي تمائم محول

إِذا ما بكى من خلفها انصرفت له ** بشِقٍ وتحتي شقها لم يُحوَّلِ

وذات البيت الأول – فمثلك حبلى...إلخ-  تجده في كتاب شرح الأشمونى لألفية ابن مالك كشاهد نحوي في باب "حذف رُبّ".

ويقابلنا هذا الحس الشبقي عند الأعشى وعمرو بن كلثوم ودوقلة المنبجي حين وصف أميرة نجدية بقوله:

وبصدرها حقان خللتهما ** كافورتين علاهما ند

وبخصرها هيف يزينه ** فإذا تنوء يكاد ينقد

ولها هن رابٍ مجسته ** وعر المسالك حشوه وقد

فإذا طعنت، طعنت في لبد ** وإذا سللت يكاد ينسد

وتعج كتب الأدب أيضا بغزليات أبي نواس الشاذة وحكاياته مع الغلمان، يقول طه حسين في كتابه "حديث الأربعاء" في سياق تطرقه للمجون في العصر العباسي: "إنّ الناس في بغداد ومصر والشام افتتنوا بأبي نواس، وكانوا يحفظون شعره وقصصه مع الغلمان".

وعرف العرب قبل الإسلام أنواعاً متعددة من الممارسات الجنسية منها:

  • الاستبضاع: وهو أن يدفع الرجل بزوجته إلى رجل آخر من عليّة القوم بغرض تحسين النسل، وحين يقع الحمل تعود إلى زوجها؛ وكان الرجل يقول لامرأته: "إذا طهرتِ من الحيض، أرسلي الى فلان فاستبضعي منه".
  • المخادنة: وهي المُصاحبة أو اتخاذ عشيق، وفيها ما ذكر في القرآن: "ولا متخذات أخدان".
  • البَدَل: وهو أن يُبدّل الرجلان زوجتيهما، لفترة مؤقتة، بُغية التمتع والتغيير، دون إعلان طلاق أو تبديل عقد زواج. يروى عن أبي هريرة قوله: "إنّ البدل في الجاهلية، أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، وأزيدك".

- المضامدة: ورد في "لسان العرب" الضماد أن تُخالل المرأَةُ ذاتُ الزوج رجلاً غير زوجها أَو رجلين، أو تصاحب المرأة اثنين أو ثلاثة في أوقات القحط فتأكل عند هذا وتشبع عند ذاك.

- الرهط: وهو أن يجتمع عشرة من الرجال على امرأة واحدة فإذا حملت أرسلت إليهم جميعاً، ثمّ تختار من بينهم من يكون والد الجنين الذي في بطنها. ولا يجرؤ أحدهم على عدم الاعتراف به.

- أصحاب الرايات: وهنّ البغايا والمومسات، وكانت الواحدة منهن ترفع راية حمراء علامة على أنّها جاهزة، فيأتيها الرجال.

- المقت: والمقت يعني البغض الشديد؛ وهو زواج الابن بامرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها.

بجانب أنواع نكاح أخرى كالشغار والعضل والشراء والمتعة.

الإسلام عندما جاء لم يمثل قطيعة أبستمولوجية كاملة مع موضوع الجسد أو الجنس، ولم يقمع الجسد أو يجعله مسؤولا عن الخطيئة، بل خاطب النفس البشرية وأمرها بالتزكية، وقمع الشهوة الآثمة، والترفع عن الفواحش بتقنين رغبات الجسد وفق التشريع الإلهي، والقرآن الكريم حافل بالمفردات ذات الحمولة الجنسية المباشرة أو المدلولات الرمزية من قبيل النكاح، الزنى، الفاحشة، الفرج، المني، اللمس، الرفث، البغاء، البكارة وغيرها، كما صوّر ببلاغته -القرآن الكريم- العلاقة الجسدية بين الجنسين في صورة كونية تفيد بالعمران وسيمياء التواصل؛ حيث شبّه الذكورة بالمحراث، والأنوثة بالأرض الخصبة (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) ونجد في كتاب الله أيضاً وصفا لنساء الجنة بأنّهن أبكاراً أي "عذراوات". وفي حديث أبي هريرة أنّه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: أنطأ في الجنّة؟ قال "نعم، والذي نفسي بيده دحماً دحماً، فإذا قام عنها رجعت مطهّرة بكراً).