أرواح ليست للمُساومة

أمل عبدالله الحرملية

أحست صديقتي بألمٍ مُباغتٍ دعاها لطرق باب مُستشفى خاص، لتكتشف أنَّها مصابة بسرطان الثدي، وأنَّه ينتشر بسرعة كبيرة، ويُهدد حياتها، وهي المُعيل الوحيد لأبنائها، كان جل ما يُخيفها هو مصير أبنائها لو أنَّها رحلت عنهم، فقصدت المستشفى المرجعي، ومعها كل التقارير، والفحوصات، التي تُبرهن خطورة وضعها.

كانت تحلم كأي مواطن آخر أُشبع بالشعارات الرنَّانة، أن يتم التَّعامل معها كحالة طارئة، وتتلقى رعاية تكفل تعافيها سريعًا، أو أقله التخفيف من حدة انتشار الورم، ولكنها خرجت بخيبة أملٍ عظيمة؛ إذ كان كل ما قيل لها أن تنتظر دورها بعد أربعة أشهر!! هُيأ إليها أنَّها في كابوس مريع، فهي لا تُحدثهم عن مرض يُمكنه الانتظار حتى يحين موعدها، بل عن مرض عُضال لا يحُل بجسد إلا فتك به، وبروح صاحبه، فأصرت على التَّحدث للطبيبة المناوبة، التي بدورها أطلقت نفس الصاعقة: انتظري دورك بعد أربعة أشهر؛ فلدينا ازدحام بالمواعيد!

وفيما هي تمضي خارجة، أخبرها أحدهم أنَّ هناك طبيباً بمستشفى خاص يستطيع أن يتوسط لها، ويحجز لها موعدا قريبًا، ورغم أنها لطالما حاربت المحسوبيات، واستغلال المنصب لتحقيق مآرب شخصية، إلا أنها لم تجد خيارا آخر أمامها، ولن تساوم بحياتها في سبيل هذا المبدأ، فذهبت لمُقابلة الطبيب، وفعلا دبّر لها موعدًا بهذا المستشفى وبدأت العلاج. تُخبرني بحرقة أنها لا تسامح نفسها؛ لأنها تخطت دور أحدهم ربما كان في مرحلة مُتقدمة من المرض، وبحاجة للعلاج أكثر منها.

ثم بدأت رحلة العلاج بالسفر للخارج، حيث أنفقت آلاف الريالات، وعادت لتكمل جلسات الكيماوي في ذات المستشفى الذي لا تجد فيه في معظم مواعيدها كرسياً شاغراً لتجلس عليه، حتى أوان مقابلتها للطبيب، ناهيكم عن الشكاوى المستمرة من عدم توفر عدد كافٍ من الأسِرة، والأدوية، تكفي لجميع المرضى.

وبينما تخبرني قصتها، وهي تصارع أعراض جرعة الكيماوي، تذكرت قصص آلاف المواطنين الذين يقصدون وجهات عديدة للعلاج بالخارج، باذلين في ذلك الغالي، والنفيس، على مرأى، ومسمع من وزارة الصحة، التي على ما يبدو، لا تُكلف نفسها عناء القيام ببحثٍ جريء، يكشف الأسباب وراء هرب النَّاس إلى الخارج، متكبدين عناء السفر، والإنفاق، وبعدها طرح الحلول الجذرية على المستويين المركزي، واللامركزي بالوزارة، ومناقشة مبررات وزارة الصحة حول سياساتها الحالية، التي لا تُحقق أهداف التنمية الصحية المستدامة المرجوة منها، إضافةً لتزايد الأخطاء الطبية بشكلٍ جلي، وأخطاء التشخيص التي تجر المريض إلى حتفه في حالات كثيرة.

إنَّ تغير نمط الحياة بجميع مظاهره، والتلوث الذي يشهده العالم، والانفتاح المُتسارع على كل ما هو جديد، يهيئ لمرحلة قادمة تتزايد فيها الأمراض كماً ونوعًا، وتتطلب كفايات وقيادات قادرة على احتواء هذا التنامي، وتوفير الحد الكافي من الرعاية الصحية لكل فرد، وأن يتم ذلك بإعداد وتدريب تلك الكوادر، وتوظيفهم بناءً على كفاءاتهم، وقدرتهم على التواصل الفاعل مع المريض، وليس ارتكازا على الشهادة وحدها، أو الواسطة، أو رفد المستشفيات بالوافد بناءً على الأجر الذي يتقاضاه، لا المهارة التي يمتلكها.

معالي وزير الصحة وكل المسؤولين بوزارتكم: للكثيرين ممن يعانون بيننا قد بلغ السيل الزبى، وآن الأوان لنشهد قفزة نوعية حقيقية، في الكيف، والكم بالخدمات المقدمة لرعاية المواطنين رعاية مستدامة، ولأنَّ أرواح هؤلاء ليست للمساومة، نرجوكم أن تعيروا صرخاتهم آذانا صاغية، وتبدأوا الآن في إصلاح ما يجب إصلاحه!

تعليق عبر الفيس بوك