قابوس بالنفوسِ يُفتدى

 

 

سيف بن سالم المعمري

 

الحديثُ عن قابوس ليس كالحديث عن سواه من عظماء التاريخ؛ فقابوس تفرَّد بمنهج حكيم، سيخلد ذكر منجزاته في طليعة المنجزات الإنسانية لعظماء التاريخ، نعم.. الحديث عن شخصية حضرة صاحب الجلالة وسيرته المطرَّزة بالعطاءات والتجارب النوعية كقائد ورجل دولة وكإنسان يمشي على هذه البسيطة، يحتاج إلى دراسات علمية مُستفيضة، ولا أدَّعي أنني أستطيع أن أُوجِز عظمته وجلالته في هذا المقال.

ولعلِّي هنا أتذكَّر ذلك الموقف الذي لن أنساه ما حَييت، وقد ذكرتُ هذه القصة في مقال سابق لي ،فقد التقيتُ بأبرز رواد الإعلام الخليجي على هامش مُشاركتي في قافلة الإعلام السياحي في المملكة العربية السعودية الشقيقة في العام 2009م، ومن الوهلة الأولى للقائنا بمطار الملك خالد الدولي بالرياض، حدَّثني الإعلامي الكويتي الأستاذ فخري عُودة التميمي المستشار الإعلامي بمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي عَمِل لعقود في تليفزيون دولة الكويت -أسأل الله له طول العمر- ولا يزال صَدَى حديثه في أذني منذ أن تعرَّفت عليه؛ حيث استهلَّ حديثه معي بسؤاله: من أي ولاية في السلطنة؟ فأجبته، ثم تقدمت إليه بسؤالي: هل سبق لك زيارة السلطنة؟ فذرفتْ عيناه بالدموع، ولم يتمالك نفسه فعبراته سبقت عباراته. واستطردتُ قائلا: ما الذي يبكيك يا أستاذي الكريم؟ أجابني بعد أن أجهش بالبكاء: نعم يا بُني لقد زرتها، قلت له: لماذا بكيت إذن؟ قال لي: كم عمرك أنت؟ فأجبته، فقال لي: سأخبرك الذي يبكيني، قلت: تفضل، فقال: زرت عُمان في العام 1965م، وكانت مسقط آنذاك تُغلق أبوابها بعد المغرب مباشرة، فلا أحد يدخلها ولا يخرج منها بعد ذلك الوقت، ومن ثمَّ تشرَّفت بزيارتي الثانية لعُمان في العام 1997م، وعندما نزلت مطار السيب الدولي لم أتمالك نفسي من البكاء؛ حيث ذُهلت مما رأيت، وتخيَّلت أن الطائرة أخطأت بي مسارها، وأنزلتني في غير مقصدي (عُمان)، إلا أنَّني ما لبثت الشعور أنني في أرض عُمان الغالية، لكن عُمان التي زرتها في الستينيات ليست هي عُمان التي أزورها في تسعينيات القرن الماضي، فعلمتُ عِظَم الإنجاز وحكمة القائد في بناء الدولة.

واستطردَ بالحديث عن مولاي جلالة السلطان قابوس -حفظه الله- وهو يجهش بالبكاء قائلا: "إنَّ لديكم قائدا عظيما لن يجود الزمان بمثله، يجمع ما بين حكمة القيادة وعطف الأبوة؛ فحكمة جلالته ونظرته الثاقبة نفخر بها جميعا كخليجيين فجلالته -يحفظه الله- لم يألُ جَهْدا في دعم جميع قضايا وطنه وأمته". وواصل حديثه قائلا: "نحن الكويتيين نُكنُّ لهذا القائد العظيم كلَّ التقدير والاحترام، وشعب الكويت يحفظ لجلالته مواقفه النبيلة تجاههم".

وظلَّ يتحدَّث عن السلطنة وعن حضرة صاحب الجلالة طوال رحلتنا التي استمرت 14 يوما، وهذا الموقف من عشرات المواقف التي نسمعها من أشقائنا وأصدقائنا ممن ألتقينا بهم داخل السلطنة وخارجها، فلله المِنة والفضل أن هيَّأ لهذا البلد العزيز قابوس الرجل الكريم، والذي أحب الإنسان حيثما كان فأحبَّته الإنسانية.

واجبنا نحن العُمانيين أن نقتدي بسيرة جلالته العطرة، سيرة العمل في ظل التحديات والبناء من اللاشيء إلى إنجازات تتحدَّث عنها الأرقام والصور، كيف استطاع رجل أن يجعل من الإخلاص والعمل منهجا لبناء دولة عصرية تباهي بإنجازاتها كبريات الدول العصرية، كيف استطاع رجل دولة أن يضمن لكل مواطن الحق في التعليم والصحة وسائر الخدمات الأساسية رغم تباين التضاريس وتناثر التجمعات السكانية، كيف استطاع قائد حكيم أن ينأى ببلده عن كل الصراعات التي تعصف بأكثر المناطق الملتهبة في العالم عن المناكفات السياسية، كيف استطاع جلالته -حفظه الله ورعاه- أن يجعل عُمان تتصدر بلدان العالم في الأمن والاستقرار والخلو من الإرهاب، وأن تتصدر السلطنة طليعة دول العالم في قطاعات التنمية الأخرى.

علينا نحن العُمانيين أن نترجم حبنا الصادق لجلالته، بالإخلاص والعمل المضني، وتحمل مسؤوليتنا كل في مجاله؛ لنكمل ما بدأ به جلالته بعزيمة وإصرار، ووعده الذي وفَّى به، وأن نفتديه بأنفسنا.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.