ذات لقاء


هالة عبادي | سوريا


شاردة الذهن تتأمل حركة العابرين وصوته يهدر في أعماق روحها ... رسائلك الليلية آتت أكلها ... زوجتي تطلب الطلاق.
لم يحاول أن يلتقي بها ليقلها لكنه اكتفى بها كرسالة إلى هاتفها المحمول ومنذ تلك اللحظة وهي تتخيله يقولها والحسرة تملأ روحه ووجهه.
ليته أمامها الآن ليتها لم تحذف الرقم حين طلب منها أن تفعل  كاد الندم يأكل قلبها وهي التي لم تفعل إلا ما يطلبه منها كان هو من أوحى لها بفكرة الرسائل وأكد على انتظاره لها في أي وقت تشاء   ... وهو أيضاً من أصر على ذلك اللقاء
كانت أكثر سعادةً بلقاءاتهما العابرة في المطاعم الحدائق أو حتى لدقائق معدودة في الطريق لكنه طالما عبر عن استيائه من مثل هذه اللقاءات
بدأت قصة حبهما قبل عشرون عاماً ثم مضى كلٌ منهما في طريق اختار شريكة حياته تاركاً إياها لاختيار أول من يتقدم بعده كشريك عشرون عامٍ بدت وكأنها لم تكن حيت وجدت نفسها تتتبع عطره الذي لم تستطع نسيانه رغم تلك السنين تلحق به حتى دخل إلى المقهى تاركاً لها تعب الحيرة وضجيج الذكريات لم لم تستطع اجتياز الخطوة الفاصلة بينهما ؟
كيف وقد كانت خطوة واحدة واحدة فقط دخل المقهى بينما عادت هي ادراجها جاهدةً تسعى لالتقاط أنفاسها ولم شتات روحها التي عبث بها مروره العابر هذا؟
مثقلةً بالتساؤلات مضت في الطريق تجر جراً خطواتها التي خانتها قبل قليل يتبعها كمٌ كثيرٌ من الذكريات
أقنعت نفسها أنها توهمت طيفه وعطره في آخر محاولةٍ منها لاستعادة ما تبعثر منها ومضت
يومان مرا والتقته من جديد في المكان نفسه ولتقطع كل الشكوك كان وجهه مصوباً نحوها هذه المرة لم تستطع تجاوز نظراته الناطقة بالحب والحنين وقفت لتحييه وتسأل عن أخباره وعن أخبار أسرته ألح هو أيضاً في معرفة أخبارها ولأنه تمنى معرفة المزيد ترك لها رقم هاتفه قبولها الاحتفاظ بالرقم  كان بمثابة عقد سري على قبول ما ستسمعه منه فيما بعد وما ينتظرها منه سألته ما الذي يمكن أن تنتظر امرأة متزوجة من عودة حبيب قديم غير الجنس لتذكره بكلماته التي ختم بها آخر حديث كان بينهما ضحك وهو يجيب لقد تجاوزنا هذا بكثير ودعته وقد ملأ كيانها الفرح وحبور الذكريات خطوة اثنتان وإذا بهاتفها يرن اشتقت لك قالها بصوت مشتاقٍ فيه الكثير من الحنين التفت إليه ضاحكة وقالت سألقاك غداً وبعد غد وتابعت طريقها ترافقها سعادةٌ ليس لها مثيل
كانت وفية لوعدها أو كان بانتظارها يجبرها على الوفاء لم تكن تحتاج لأكثر من أن تسمع المزيد عن تفاصيل حياته التي باتت على يقين أن لا مكان لها فيها من جديد لكنه كان يريد العودة بها إلى حيث افترقا تحدث كثيراً عن تفاصيل لم تعد تود سماعها عن علاقتهما التي انتهت وكيف ولم انتهت لم تزوج بغيرها وكيف كان الاختيار ما جرى ليلة عرسه وأشياء أخرى ما كانت إلا لتزيدها ألماً لم يعد الشارع يتسع لأحاديثهما المتكررة ولا المطاعم التي ألفتها وكانت الحدائق أنسب لمواعيد المراهقين اقترح أن تزوره في مكتبه فلبت راح يتلمس بيده جراح السنين في كل بقعة من جسدها كانت على وشك أن تستجيب له لولا أنها فرت مبتعدةً بعض الشيء عنه بحزم كلمته عما يناسبها في أي لقاء بكى معتذراً عن اندفاع قلبه كانت الدموع كافية لتسامحه على خطيئته وعد ألا يعود لمثلها إن هي وعدت بتكرار اللقاء سألته عما يمكنها فعله حين تشتاق هي إلى اللقاء قال اكتبي إلي متى تشائين قالها بثقة من يملك قلبه وعقله كما يملك بيته وهاتفه لم تنم ليلتها يؤرقها الحنين إليه إلى صوته مداعبته التي كانت في مكتبه كتبت له هنيئاً لها ... ثم نامت غير مدركةٍ لما يخبئه لها الصباح
أرجو أن تنسي رقم هاتفي وتنسيني هذا كل ما نطق به لتجد نفسها في متاهةٍ لا مخرج منها لم أخبرني أنا التي أرجوك
ماذا حدث  وقبل أن تسمع منه أي جواب مسحت رقم هاتفه عازمة على عدم العودة إليه من جديد .
مرت الأيام بعده بطيئة ثقيلة لماذا عاد؟ وما الذي غيره؟ لم سمحت له بهذا الانتقام السخيف لغيابها من قبل ؟
أن يمر على هدوء حياتها واستقرارها ليعصف به كان فظيع الوقع لكنه لم يترك لها من خيارات
إن ولع المرأة الشديد بشيءٍ أو بشخصٍ ما يجعلها على نحو ما تبدو سخيفة وقد حملها ولعها به للتفكير بالذهاب إليه ثانيةً في مكتبه لكن لحسن الحظ أنها لم تملك الوقت لكي تفعل الظروف الجديدة التي مرت بها والأنشطة المختلفة التي حاولت المشاركة بها شغلتها بعض الشيء عن الاستمرار في التفكير به والبحث عنه لكنها لم تمنعه أو توقفه بشكل نهائي هذا ما اكتشفته حين التقيا صدفةً بعد مضي عدة شهور.

 

تعليق عبر الفيس بوك