مَالِئو الصناديق

غسان الشهابي

حتى ساعة كِتابة هذه السطور، لم تتضَّح بعد ملامح مجلس النواب المقبل في البحرين، ولكن لن تكون مُفاجأة إذا ما سَيطر المُستقلون على أغلب مقاعده، وهذا هو شأن المجلس المنتهية ولايته. ولكن ما يدعو للتوقُّف هنا هو خروج الرئيس السابق للمجلس ليدعو المجلس اللاحق أن يدرس فرض عقوبة على أي مواطن يحقُّ له التصويت ويتخلف عن أداء هذا "الحق"!

والأغرب من هذا التصريح الفردي، أن يأتي تصريح جماعي من نواب المجلس الأخير، ليعضّدوا هذا الرأي ويناصروه بأن تُحجب بعض الجوانب الخدمية كالحصول على الخدمات الإسكانية، أو تأخيرها وتأخير خدمات أخرى، أو ألا يحصل على مزايا مختلفة!

وبينما في الدول التي تقول بوجوب مُشاركة الناخبين في الانتخابات، يجري فرض غرامة على المتخلِّف، أو إلزامه بأداء خدمة اجتماعية، ويُسجن إذا لم يطبق المنصوص عليه، ولكن لا يحرم أبداً من أي خدمة جراء امتناعه عن التصويت. ولم يفصّل المشددون على إلزامية المشاركة: هل يتساوى المشارك في الانتخابات طوعًا والمشارك رُغماً عنه؟ وهل يكون سحب أو تأخير الخدمات الحكومية مؤقتاً أو دائماً لا يسقط إلا برضوخ الناخب للممارسة الصناديقية مجدداً؟ وهل يستوي في عين الحكومة من درج على المشاركة في الانتخابات، بمن يشارك مرة ويقاطع مرة؟

وإذا ما رأينا النسب المئوية للمشاركين في اثنين من أقوى اقتصادات العالم، فسنجد أن نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة الأمريكية لم تصل إلى 60% في آخر ثلاث منافسات؛ ففي العام 2008، كانت نسبة المشاركة 58.2%، وفي 2012 كانت النسبة 50.6%، وفي 2016 كانت 55.6%. والبلد الثاني اليابان؛ حيث كانت نسبة انتخابات 2014 قد بلغت 52.3%، وفي 2017 كانت 53.7%، ومع ذلك فالبلدان مُتقدمان في جميع النواحي؛ مَا ضرَّهم من خالفهم. فمن وجد في نفسه القناعة لأن يدرس البرامج ويقارنها ويختار، فلا بأس، ومن لم يجد في نفسه ميلاً للسياسة وانصرافاً عنها، فلا بأس أيضاً، ولم تشكُ الطائفة المقاطعة من حرمان وتنغيص عيش.

القصد غير المُضمر أنَّ العِبرة ليست بامتلاء صناديق الاقتراع حتى تثمُلَ بأوراقها، ولكن بمن سيجري اختياره.

تعليق عبر الفيس بوك