المجالس البلدية.. أين المنفعة الوطنية؟!

د. سيف بن ناصر المعمري

ما جَرَى خلال إجازة العيد الوطني حول ملفِّ السياحة، وعدم استعداد الجهات المعنية لهذه الإجازة، رغم ما تمثله من فرصة كبيرة لدعم الاقتصاد الوطني، يجب أن لا يمر مرور الكرام؛ لأنه يعكس عدم اهتمام المؤسسات المسؤولة عن تنمية الاقتصاد الوطني ومُتطلبات تعزيزه، وأيضا بحق المواطنين في توافر الخدمات الضرورية في الأماكن السياحية.

لقد رُفعت شعارات وطنية لتشجيع الناس لقضاء الإجازة في داخل بلدهم، وجعل ريالاتهم تتحرك داخل شرايين اقتصادهم الوطني، وأجزم أن الجميع مؤمن بذلك، لكنهم يحتاجون لمن يساعدهم على ترجمة نزعتهم واتجاهاتهم إلى واقع لا إلى من يُنفِّرهم؛ فهم بغض النظر عن كونهم مواطنين هم سائحون يملكون بضعة أيام ومبلغا ماليا يريدون أن يُنفقوه على ما يبعث البهجة والاسترخاء لهم ولأطفالهم. لكن الواقع يمضي بشكل مختلف ويجعلنا نتأمل بشكل جدي في واقع السياحة لدينا، فحين أعلنت الإجازة ارتفعت بعد ساعتين أسعار الفنادق وشركات الطيران الداخلية، ولم تخرج أية جهة لتعلن عن برنامج سياحي أو مهرجانات لكل هذه الأعداد من السائحين؟

كان يجدر بالمؤسسات المعنية في البلد أن تكون في عمل دائم لاستثمار هذه الإجازة وتهيئة الظروف لقضاء إجازة مريحة لهؤلاء السائحين، خرج العاملون فيها مثلهم مثل غيرهم في إجازة، واختفت مع ذلك كل شعارات صناعة السياحة، وتحويل البلد إلى منطقة جاذبة إلى مواطنيها قبل غيرهم؛ لأنهم هم حتى اليوم هم قُوام السياحة الأهم داخل البلد؛ سواءً في الأوقات العادية أو في موسم الخريف. حدثٌ مثل هذا لابد أن يناقش بشكل جدي؛ لأنه مُرتبط بالتنمية الاقتصادية التي تمثل اليوم أولوية كبرى للجميع، ورغم كل ما ذُكر على شبكات التواصل الاجتماعي، وتحميل المسؤولية لكثير من الجهات، أود هنا أنْ أحمِّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية للمجالس البلدية التي تُعاني من الأداء الضعيف منذ أن أنشئت؛ حيث يُشير قانونها الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2011/116) في المادة (16) إلى وجود 30 اختصاصًا لها؛ من ضمنها الاختصاص رقم 23 الذي ينص على "الموافقة على إقامة المهرجانات الثقافية والترفيهية والسياحية"، فلدينا 11 مجلسا بلديًّا مُمثلة برتب وظيفية عُليا من وزارة الداخلية والجهات الحكومية المختلفة المعنية بأمر التنمية وتعزيزها؛ هي: وزارة التربية والتعليم، ووزارة الإسكان، ووزارة الصحة، ووزارة السياحة، ووزارة البيئة والشؤون المناخية، ووزارة التنمية الاجتماعية، وشرطة عمان السلطانية، وبلدية صحار لشمال الباطنة وبلدية مسقط وبلدية ظفار، هل عجزت هذه المجالس عن أن تقوم بدورها في إقامة مهرجات سياحية تتزامن مع هذه الإجازة وتكفُل تعزيز الاقتصاد الوطني؟

هذا سُؤال يقدم لوزارة الداخلية وغيرها من المعنيين الذين تَتبع هذه المجالس لهم، والتي يُفترض أن تكون قيمة مضافة للتنمية، وتعمل على تنشيط مختلف الجوانب في المحافظات التي توجد فيها، واستثمار المقوِّمات المختلفة التي تزخر بها الولايات لتحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع: الدولة والمواطنين، ولكن أين هي هذه المجالس من كل الاختصاصات الموكلة إليها؟ لِمَ لا تعمل بشكل دائم على تعزيز أدوارها التنموية، والحضور على أرض الواقع بما تقوم به في هذه المرحلة من المراحل التنموية والاقتصادية التي تتطلب احترافية ومهنية ومؤسساتية في العمل؟! خاصة وأن التجربة في عُمان لم تُكمل بعد ثماني سنوات، لكن هذه السنوات سوف تُعطِي انطباعا سلبيا عن أداء هذه المجالس. وما جَرَى من غياب دورها في توفير عوامل الجذب السياحي خلال فترة إجازة العيد الوطني، أو توفير بعض الخدمات المؤقتة في الأماكن التي شهدت زيادة في أعداد السائحين من أودية وعيون ورمال، يعدُّ مثالًا قريبا على الإشكالية التي تمرُّ بها المجالس البلدية، لو أنبرى فقط أحد المجالس الأحد عشر لقُلنا إنَّ هناك عضوًا لا يزال يتحرك ويقوم بدوره، لكن أن يغيب الجميع والبلد تحتفل بالعيد الوطني؛ حيث الفرص كبيرة ومتنوعة لاستنهاض جزء مكنون من الهُوية الوطنية، واستعادة ما نُسِي منها في ظل تيار المعاصرة الجارف!!! لماذا لم تتحرَّك المجالس البلدية بمهامها الفعلية واكتفت فقط بتلبيس المؤسسات الحكومية بالأعلام والإضاءات، معتقدة أن حدود المسؤولية الوطنية تنتهي عند ذلك، متناسين أن المسؤولية اليوم أكبر من قبل، وإن لم تعمل المجالس المتخصصة بكل ما أوتيت من صلاحيات وقوة مُؤسساتية في تعزيز القوة الاقتصادية، فما قيمة الخطابات التي تنهال علينا من كل مكان عن المستقبل والتنويع الاقتصادي؟

إنَّ خروجَ عدد كبير من المواطنين خارج الحدود لقضاء إجازاتهم الاستثنائية والأسبوعية، وتجنب البعض منهم الخروج إلى الأماكن السياحية نتيجة قلة الخدمات وأماكن الإيواء، أو نتيجة ارتفاع أسعار هذه الأماكن في أوقات الإجازات، يعد إضرارا بالمنفعة الوطنية؛ لأنَّ المنفعة الوطنية اليوم تركز على الجانب الاقتصادي، وهذا ما تؤكده الإجراءات التي حدثت السنوات الماضية، من رفع لرسوم مختلف الخدمات وأسعار الوقود؛ فمن يُمكن أن يحاسب المؤسسات المعنية والتي لها علاقة بالترويج للسياحة والخدمات المرتبطة بها وإعداد المهرجانات، على الإضرار بالمنفعة الاقتصادية للبلد نتيجة تقصيرها في مثل هذه الإجازات؟

وإذا كانت المادة (20) تشير إلى أنه يجوز حل المجلس (البلدي) قبل انتهاء فترته بقرار من وزير الداخلية، ومن الوزير المختص بالنسبة لمحافظتيْ مسقط وظفار؛ وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء إذا ارتكب المجلس "خطأ جسيمًا أدى إلى إلحاق ضرر بالمصلحة العامة"، فأتساءل: ألم يُلحق ما جرى ضررا جسيما بالمصلحة العامة؟ هذا سؤال موجَّه للوزراء المعنيين رغم أنَّ الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى تفسير وتأويل، ولكن نطرح السؤال لتطمِئن قلوبنا إن كنا نحمل نفس الفهم للمنفعة العامة أم لا، فإن اختلف الفهم فلا داعي إذن لكل الأسئلة، ولا داعي لكل هذا الألم الذي شعر به الغيورون من أبناء الوطن على واقع السياحة في بلدهم خلال إجازة العيد الوطني، ولا داعي لانتظار تحقيق أحلام أكبر كتلك التي وَعد بها أحد كبار المعنيين بالسياحة حين قال إنهم سيحولون البلد لتكون "نرويج الخليج"؛ حيث يبدو أن السياحة ستظل تعيش كل عقد على وعد وينقضي العقد ولا يُوفَّى بالوعد، ما لم تُجرَ تغيرات جذرية على العقل المؤسساتي الذي يُحرِّك التخطيط ويملك قرارَ التنفيذ؛ حيث سيظل التاريخ يُعيد نفسه ولكن بألمٍ أكبر.