الاجتهاد والخلاف الفقهي 2

 

فوزي عمار

خلاف من نوع اخر كان بين فقهاء العقل وفقهاء النقل ولكل كان اساس نظريا جادل به وفند فكرة الاخر فكان لفقهاء العقل الأساس  هوالمعرفة العلمية بينما فقهاء النقل تبنوا  المعرفة الدينية كاساس للمجادلة .. يطلق علي الأول الابستومولوجيا وعلي الثانية الغنوصية،  الأولي تجدها في المعمل وتصل اليها بالتجربة اما الاخري يخبرنا بها الله في الكتب السماوية والأحاديث الشريفة.

يصل الإنسان الي المعرفة العلمية  (علم الشهادة) 

ولكنه لا يصل الي المعرفة الدينية  (علم الغيب) الا بالإيمان .. فلن تصل بالعلم الي جواب عن اسئلة الروح مثلا وأين يذهب الإنسان بعد توفي الانفس والتي لا يعلمها الا الله . (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) صدق الله العظيم.

ومعني الابستومولوجيا يعني علم العلوم اوعلم المعرفة،  والذي صيغ لاحقا .. وانقسمت الابستمولوجيا إلى عدة اقسام فلسفية وهي الفلسفة الوضعية،  الفلسفة التفسيرية أوالفينومينولوجيا وهي فلسفة تعتمد على الشرح،  الفلسفة الواقعية وهي فلسفة تقع بين الفلسفة الوضعية والتفسيرية.

 الفلسفة العقلية  تقول بمبدأ العلية .. كل ظاهرة لابد ان يكون لها علة،  فالعلم يشرح سبب غليان الماء وتجلط الدم مثلا وكل قضايا القابلة  للرصد والتجربة  ولا يبحث العلم سبب احتياج المعلول لعلته،   

فالتجريب لا يقطع بجوهر العلية .

 اما المعرفة الدينة والتي تسمي بالعرفان فهواحد المناهج المتبعة للوصول الي الله والعرفان من مصدر عَرَفَ فيقال عارف بالله،

 أي متحقق بمعرفته ذوقاً وكشفاً،  ويُطلق عليه أيضاً المعرفة "اللّدنيّة"

 أي التي تكون من لدنّ الله ؛  يقول المفكر محمد عابد الجابري: "يبدوأن العرفان نظام معرفي،  ومنهج في اكتساب المعرفة،  ورؤية للعالم وأيضاً موقف منه،  انتقل إلى الثقافة العربية الإسلامية من الثقافات التي كانت سائدة قبل الإسلام في الشرق الأدنى... يُسمّى الغنوص،  والكلمة يونانية الأصل،  ومعناها المعرفة وقد استعملت أيضاً بمعنى العلم والحكمة،  غير أن ما يُميّز العرفان هوأنه من جهة معرفة بالأمور الدينية تخصيصاً،  وأنه من جهة أخرى معرفة يعتبرها أصحابها أسمى من معرفة المؤمنين البسطاء وأرقى من معرفة علماء الدين الذين يعتمدون النظر العقلي

. انتهي الاقتباس.

العرفان اوالمعرفة الدينية تؤمن بالجعل .. جعل الشيء وهوالخلق  .. يقول تعالي :  " ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون "  

وهناك فرق  بين الايمان بالله والايمان بالعلم  ...

المشکل یکمن دائما عند بعض الناس فی الخلط بین الاثنین فتجد من یؤمن بالعلم فقط والعکس صحیح فتجد من یؤمن بالدین وینکر علی العلم ای دور ؛ اظن ان کلامها جانبهما الصواب فلابد من الجمع بین الاثنین فکما أن الإنسان هوجسد وروح فالعلم یحاط بالجسد والدین بالروح..

خلق الله  الإنسان   للعبادة واقامة العدل والقسط للوصول للسعادة  الأبدية  وسنام غاية الدين وهي التقوي  لتكافيء  بالسعادة الابدية وهي الجنة .  والعمل جزء مهم من العبادة لإعمار الارض ..

وجعل الله  الايمان مرتبط بالعمل  الصالح دائما.

  (الذين امنوا وعملوا الصالحات ..) وصولا الي غاية التقوي  وهي سنام الدين .

والاساس الصحيح لفهم صحيح للحياة  (من وجهة نظري) هوالجمع  بين المعرفة الدينية و المعرفة العلمية ..  والجمع بين القران والعلم .. 

وحريا بنا هنا ان نذكر انه ما لاشك فيه انه كل ما ذكر في القران هوحقائق اثبتها وسوف يثبتها العلم لأنه من عند الله ولأنه الوحيد الذي يجمع بين العلمين،  علم الدين وعلم العلم والمعرفة

فهوعالم الغيب والشهادة كما يقول علي نفسه جل جلاله .

 . جانب اخر مهم شاب الخلاف الفقهي منذ بدايات الاسلام وخاصة في نهاية العهد الراشدي وهوالخلاف السياسي

فاجتماع السلطتين الدينية والسياسية في رجل واحد كان سمة عصر النبوة والرسول محمد سيد الخلق حيث جمع بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية وانتهي بوفاته وبانقطاع الوحي،  فلا مجال لاحد بعد الرسول ان يساوي نفسه به صلى الله عليه وسلم،  وعاش الاسلام كطريقة عيش تجمع الدين مع المشروع  السياسي  فترة بسيطة وهي فترة النبوة وفترة الخلافة الراشدة،   قال عنها سيد الخلق سياتي بعدها ملك عضوض

ما سيأتي  بعد ذلك سواء في العصر الاموي اوالعباسي اوحتي العصر الحالي ما هوإلا اضفاء  الدين على السياسة وإطلاق المقدس وهوالدين على الحاكم ووصف كل من يعارضه بالمدنس وهنا تكمن الخطورة،  وكما يقول احد دعاة الاسلام السياسي اليوم الشيخ راشد الغنوشي حين قال :

أن اشد انواع الطغيان هوما سيأتي باسم المقدسات وإضفاء صفة المقدس  .

 استعمال الدين في السياسة (الاسلام السياسي)  تاريخيا جاء بصفتين اما الطرح الأيديولوجي  للخطاب الديني مثل جماعات الاسلام السياسي حاليا  واشهرها جماعة  الاخوان المسلمين أواستعمال العرق والنسل الشريف مثل ما فعل الساسة باعتبارهما من نسل  الاشراف  مستندين على حديث صحيح لرسول الله صلي الله عليه وسلم رواه احمد  يقول فيه : ( الائمة من قريش). 

وهنا أيضاً تكمن الخطورة في توظيف الدين لمصلحة السلطة والحكم  باسم الدين بدلا من الحكم بالشوري وبالعدل باعتباره اساس الحكم ان  الخلاف مع هؤلاء يعتبر مثل الخلاف مع الدين نفسه

يعتمد النظام السياسي في الاسلام  ( السياسة الاسلامية ) التي  تتمثل في التشريعات الفقهية المستمدة من النص القرآني وسنة سيد الخلق وانتقالا لكتابات بعض الفقهاء الذين كتبوا في الإسلام السياسي اونظرية الحكم الاسلامي كالماوردي في كتابه الاحكام السلطانية وابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية وابن الجوزي والغزالي وغيرهم من المحدثين،  فكلهم لا يخرجون عن القاعدتين الأساسيتين لنظرية الحكم الاسلامي وهما مبدأ العدالة والشورى،  والتي تنص عليه معظم الدساتير الحديثة اليوم ولكن في التطبيق الواقعي لم نصل الى ذلك لعدة اسباب باتت اقوى من التشريع وهوالتفسير الخاطئ للدين من ناحية وكذلك التعصب الديني داخل المنظومة الدينية نفسها.

فمبدا العدالة يعني تطبيق قول الرسول " لوان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " والعدالة تعني التوزيع العادل للثروة  والمساواة امام القانون في كل شيء بين الحاكم والمحكوم وهومبدأ دستوري،  والثاني هومبدأ الشورى والذي يقوم علي قاعدة المشاركة في القرار السياسي وتوزيع الثروة والتي تعتبر معضلة اليوم لمعظم الدول االعربية والاسلامية.

ومن هنا نخلص إلى أن التشريع الاسلامي لم ينص على اي نظام حكم بعينه ؛ فردي ام ديمقراطي،  ملكي اوآية الله اوجمهوري اوخلافة،  فالأهم هوالحرص والتأكيد على هذين المعيارين الديمقراطيين اللذين يضمنان الحقوق والواجبات وهما العدالة  والشوري . #

 

* كاتب ليبي 

تعليق عبر الفيس بوك